لم يبق إلا نفس خافت ومقلة إنسانها باهت ليس لي لحم يصلح للأكل، فغن الدهر أكل لحمي، ولا جلدي يصلح للدبغ، فإن الأيام مزقت أديمي، ولا صوف يصلح للغزل، فغن الحوادث قد حصت وبري، وإن أردتني للوقود فكف بعر أدفء من ناري، ولن تفي حرارة برائحة قتاري، ولم يبق إلا أن تطالبني بذهل أو بيني وبينك دم، فوجدته صادقا في مقالته ناصحا في شورته، ولم أعلم أي أموره أعجب؟ أمن مماطلته الدهر على البقاء؟ أم من صبره على الضر والبلاء، أم من قدرتك عليه من أعواز مثله؟ أم من إتحافك الصديق ينفذ في المعز والضأن وكل حمل ثمين، وكبش بطين مجلوب إليك، وموقوف عليك بقول فيه، فلا يرد، وتردفه فلا تصد، وكانت هديتك هذا الذي كأنه انشر من القبور أو أقيم عند النفخ في الصور، فما كنت مهديا، لو أنك رجل من عرض الكتاب كأبي علي وأبي الخطاب ما كنت تهدي إلا كلبا أجرب أو قردا أحدب.
وللمريمي في هذا المعنى:
ليت شعري عن الخوف الهزيل ... ألك الذنب فيه أم للوكيل؟
جاءني في الزنبيل حيا وقد شد ... . . . قضى في الزبيل
لم أجد فيه غير جلد وعظم ... وذنيب له دقيق طويل
ما أراني أراه يصلح إذا أصبح ... رسما على رسوم الطلول
لا لشيء ولا لطبخ ولا بي ... ع ولا بر صاحب وخليل
اعجف لو مطفل نال منه ... لغدا تائبا عن التطفيل
[القول في طبائع المعز]
روى الجاحظ في كتاب الحيوان له، أحاديث كثيرة نوهت بقدرها وفخمت من أمرها منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: القحة في أهل الخيل والخباء في أهل الإبل، والسكينة في أهل الغنم، ومما ذكره في فضلها أنه كان في الأنبياء من رعي الغنم، ولم يرع أحد منهم الإبل، وعد منهم سعيبا، وداود، وموسى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرعى غنم خديجة، وروي أن رجلا دعا أبا ذر لطعام، فلما أكمل قال الحمد لله الذي أطعمنا الحمير وألبسنا الحرير، وأنه رأى عندهم شاة، فقال لصاحب المنزل هذه لك قال: نعم، قال: أطب مرامها واغسل رغامها، فإنها من دواب الجنة، وهي صفوة الله تعالى من البهائم، ومن بركتها أن أمرؤ القيس وصفتها في قوله:
إذا لم تكن إبل فمعزى ... كأن قرون جلتها العصي
فتملأ بيتنا أقطأ وسمنا ... وحسبك من غني شبع وروي
قال أصحاب الكلام في طبائع الحيوان، والشاة تحمل بعد أن ينزى عليها ثلاث مرات أو أربع مرات، وإن وقع مطر بعد النزو نقض حملها، وهي تحمل خمسة أشهر مرة واحدة في السنة، فإن كانت ترعى في أماكن دافئة وكان مرعاها مخصبا تضع مرتين في السنة، ومنها ما تضع إناثا، ومنها ما تضع ذكورا، وذلك يعرض من قبل الأماكن أيضا، ومنها ما يفذ ويتئم، وما تضع ثلاثا أو أربعا، وفي طبع الشاة أنها من الذئب أشد فرقا من الأسد، وإن كانت تعلم أن الأسد يأكلها، ومن شدة فرقها منه، لو رأت الأسد والنمر، والنسر لما عبئت بها ولا خافتها، وليس ذلك من تجربة ولا لأن منظر الذئب أشنع، وأهيب لكن لما فطرت عليه، ومن شأنها إذا ظفر بها الأسد مانعته عن نفسها حتى ربما اضطرت الأسد إلى أن يجرها إلى عرصته فأما الذئب إذا أخذها عدت معه حتى لا يكون عليه مؤونة والتيس من شدة الغلمة التي فيه لا يعرض للنعجة من الضأن، وكذلك الكبش من الضأن لا يعرض للشاة حتى كان ذلك موادعة بينهما فلهذا لا يقع بين هذين الجنسين المتقاربين تلاقح ونتاج البتة كما يقع بين البخاتي والعراب، وبين الخيل والبراذين، والخيل، والحمير، وفي الماعز ما يعلم التعليم والتلقين، والحكاية، وتسمى بمصر لفرط ما يصدر عن ذلك) أبا العجب (، وقال أرسطو: والمعز كالضأن في البله، وذلك أنها لا تنبعث إلا إذا أخذ الراعي بناحية واحد مهما فأن لم يفعل وقفت كأنها تائهة لا تهتدي إلى طريق، والذكر من هذا النوع كالكلب يفرح ببوله فيرده في خيشومه، وهو من أحر البول وأنتنه، والمثل يضرب بنتن رائحة التيوس، والعجب من نتن ريحة مع تخلخل شعره، وبرودة جلده وجفوف عرق. . . . بدنه ونتنه في الصيف كنتنه في الشتاء، وقال الجاحظ وذكر كل شيء أتم حسنا من أناثه خلا هذا النوع.
[الوصف والتشبيه]
قال بعض الشعراء فيها:
راحت اصيلانا كأن ضروعها ... دلاء وفيها وائد القرن ليلب
له رعثان كالسوف وغبرة ... شريح ولون كالوديلة مذهب