ونجعل الكلام فيه: بأن الاحتلام، أعني يبتدئ في الصبي إذا بلغ أسبوعين منت السنين، وفي هذا السن تنبت عانته، ويخشن صوته، وتتغير رائحة عرقه وتنفلق أرنبته من طرف الروثة، وهذه علامات البلوغ، وكذلك النساء يطمثن إذا مر عليهن السن، ويرتفع ثديهن، وتتغير أصواتهن، ومتى طمثت الصبية هاجت إلى الجماع، وتتلذذ بذكره من غير فعل، وبعض الذكور لا يحتلم، وكذلك بعض النساء لا تطمث.
ومنها أن المني لا يوافق الولادة إلا بعد مضي ثلاثة أسابيع سنينا وهذا المعتاد، وقد رأيت أن ولدا للمقتدر حملت منه جارية وهو ابن إحدى عشرة سنة، وفي صحيح البخاري:) إن المغيرة بن سعيد قال احتلمت وأنا ابن اثنتي عشرة سنة وفيه أيضاً عن أن الحسن ابن صالح قال أدركت جارة لنا جدة وهي ابنة إحدى وعشرين سنة (، وكان بين عمرو بن العاص وبين ولده عبد الله اثنتا عشرة سنة وإذا جامع الرجل المرأة، وبقي المني في رحمها ستة أيام، ولم يقع فذلك دليل على الحمل فإذا تم الحمل لا يكون خروج الدم طبيعيا بل يرجع إلى الناحية العليا إلى الثديين فيستحيل لبنا عند قرب الولادة.
ومنها أن الرجل يستفرغ ولد امرأتين لأنه يولد له وهو ابن تسعين سنة، والمرأة لا تلد بعد الخمسين إلا نادرا، ولا تحيض، إلا ما حكي أن موسى بن عبد الله بن حسين حملت به أمه وهي بنت ستين سنة وكان بين موسى بن عبده المريدي وبين أخيه ثمانين سنة ومنها أن المرأة تفرط في السمن فتكون عاقرا، والرجل يكون فلا يطرأ عليه ذلك، والمرأة تهيج في الصيف والرجل في الشتاء.
ومنها أن المرأة إذا حملت أحست بما في بطنها، ولا سيما في نواحي الحالبين فإذا كان الحمل ذكرا فالحس من الناحية اليمنى، يوجد بعد أربعين يوما وإذا كان أنثى فإنه يكون في الناحية اليسرى بعد تسعين يوما في الغالب ومنها أنه أكثر الحيوانات شهوة للجماع، وأقدرها عليه، وإن ضرب المثل في ذلك بالعصفور، فإن العصفور يسفد في فصل وزمان معلوم والإنسان يقدر على ما قدر عليه العصفور في كل حين لا سيما إذا توفرت الدواعي من الغلة والجمال والشبيبة، والرفاهية، وأحد ما يكون الغلام أشبق وألح، وأحرص عند أول بلوغه ثم لا يزال كذلك حتى يقطعه الكبر أو آفة تعرض له، والجارية لا تزال من وقت إدراكها وحركة شهوتها على شيء واحد من ضعف الإرداة حتى تكتهل فإذا اكتهلت قوي عليها سلطان الحرص والشهوة للباه فيكون هيجانها عند سكون هيجان الكهل، وإدبار شهوته.
ومنها أن حد الولادة في الناس مختلف بخلاف سائر الحيوانات فإن مدد حمل الحيوان في كل نوع على حد سواء من الكثرة والقلة إلا النساء، فإن منهن من تلد لستة أشهر وعلى هذا حمل قوله تعالى:) وحمله وفصاله ثلاثون شهرا (، وبذلك أفتى علي عليه السلام في مجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانت امرأة ولدت لستة أشهر، فأراد عمر أن يرجمها فكف عنها، ومنهن من تلد لسبعة أشهر يقال أن الشعبي ولد لهذا العدد، ومنهن من تلد لثمانية أشهر، وقلما يعيش لعلة ذكرها المنجمون على زعمهم ليس هذا موضع ذكرها وهذه المدد مختلفة، وقد ذكر أصحاب التواريخ جماعة ولدوا فيها، فأما من ولد لثمانية أشهر فعيسى عليه السلام، والشعبي ولد لسبعة أشهر، وكذلك جرير الشاعر وعبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر، ومنهن من تنقضي مدة الحمل التي هي تسعة أشهر وتستأنف مدة أخرى، ولا تيأس من الولد كما حكي أن هرم بن حيان حملت به أمه أربع سنين، ولذلك سمي مرة هرما وإن امرأة لابن عجلان ولدت له بعد أن حملت خمس سنين، وحملت مرة أخرى ثلاث سنين ثم ولدت غلاما وكانت تسمى حامل الفيل، وروي أن الضحاك بن مزاحم حملت به أمه ستة عشر شهرا، وولد شعبة لسنتين، ومالك بن أنس - رضي الله عنه - لثلاث سنين، وخرج من بطن أمه، وقد بدت أضراسه، وسمع نساء الحجاز من ولد عمر بن الخطاب يقلن ما حملت امرأة منا أقل من ثلاثين شهرا، وولدت بنت أبي عبيدة محمد بن حسن على رأس أربع سنين.