للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها أن النساء وإن اختلفن في مدة الحمل، وبين سائر الحيوانات في ذلك فقد يشتركن معها في أن تلد المرأة فذا وتوأمين، وربما ولدت ثلاثة أو أربعة وخمسة بقالب البخاري: بنو راشد السلمي أربعة ولدوا في بطن واحد، عامتهم محدثون، وكان شريك لهذه الأعجوبة يقول: إذا مات الرجل وله حمل وأرادوا أن يقسموا الميراث عزلوا نصيب أربعة ذكور لما شاهد من بني راشدة، والمرأة إذا وضعت توأمين، وكان أحدهما ذكرا فقلما يسلمان.

ومنها أن المرأة تحتمل الجماع بعد الحمل بخلاف سائر الحيوانات وربما علقت، وهي إذا علقت بعد زمان يمضي عليها بالذي حملت به أولا يتم ويهلك الأول والثاني، فإن علقت بعد الحمل بزمان يسير يسلمان كلاهما وهما التوأمان، وحكى أرسطو في كتاب الحيوان: أن امرأة ولدت لتسعة أشهر ثم ولدت بعد ذلك بشهرين فعاش الثاني وهلك الأول.

ومنها أنه قد يولد لذوي العاهات ما يشبههم من الأولاد، فيولد للأعرج أعرج وللأعمى أعمى، وربما كانت العاهة في ولد الولد وكذلك في اللون.

ومنها أن جميع الحيوانات التي لها أربعة أرجل يكون ولده في الرحم ممتدا منبسطا ما خلا ولد الإنسان فإنه يكون قاعدا القرفصاء شبه المتفكر وأنفه بين ركبتيه وأذناه خارجتان عنه ويداه عليهما، وهو يتنفس في خلاء ووجهه إلى الصلب لتحدر الطعام على صلبه ولا يتأذى به.

ومنها أن يتقدم الجنين عند خروجه ماء، وذلك عند انقلاب الرحم والمشيمة ومتى لم تربط سرته لساعة وقوع المشيمة، وسال منها دم قبل أن يجمد هلك.

ومنها أن المولود إذا نعر لساعته وأومئ بيده إلى فيه، وطلب الثدي ويلازمه السهر أربعين يوما، ويقال أن ذلك من وحشة يجدها لفراق وطنه الذي كان فيه وهو الرحم، وما أحسن قول علي بن العباس بن جريح الرومي وقد ذكر هذه الحالة، وما الحكم فيها:

لما تؤذن الدنيا به من صروفها ... يكون الطفل ساعة يوضع

وإلا فما يبكيه منها وإنها ... لأفسح مما كان فيه وأوسع

إذا عاين الدنيا استهل كأنه ... بما سوف يلقى من أذاها يفزع

وقد ورد أن ذلك من طعن الشيطان له في خاصرته.

ومنها أنه إذا خرج من الرحم يخر مقبوض الكف، ويقول أصحاب الإشارات أن ذلك دليل حرصه على الدنيا، وإذا مات فتح كفه، يشير بذلك أني مع حرصي عليها خرجت منها بلا شيء، وقد نظم هذا بعض الفقهاء فقال:

وفي قبض كف الطفل عند ولاده ... دليل على الحص الموكل بالحي

وفي بسطها عند الممات إشارة ... ألا فانظروني قد خرجت بلا شيء

ومنها أنه قد يولد مختونا وتسميه العرب ختان القمر، ويزعمون أن السبب في ذلك، ولادة أمه له في مكان صاح للقمر لا يستره سقف ولا جدار.

قال أمرؤ القيس يهجو قيصر ملك الروم:

إني حلفت يمينا غير كاذبة ... لأنت اقلف ألا ما جنى القمر

إذا طعنت به مالت عمامته ... كما تجمع تحت الفكة الوتر

وقد ولد جماعة من الأنبياء - صلوات الله عليهم - كذلك منهم سيد البشر الشفيع المشفع في المحشر - الذي ختم به النبيين وأعلا درجته في عليين - محمد المبعوث إلى الأحمر والأسود صلى الله عليه صلاة دائمة يوم بنعث ونحشر ومنه أنه حين يولد تكون عينيه زرقاء ثم يتغير إلى اللون الذي شأنه أن يوجد له، ولا يوجد ذلك شيء من الحيوان، وهو في طفولته يحلم ولهذا نرى - حين ينتبه - أما مذعورا يبكي وأما مسرورا يضحك والإنسان وحده يولد، ولا أسنان له، لقلة الأرضية فيه، فإذا كبر صلبت مواده، وصلحت لمادة الأسنان، وجميع عظامه من الكون الأول سوى الأسنان فإنها تتجدد مرتين في العمر مرة في الشهر السابع وما بعده، ومرة في العام السابع وما بعده.

والذي يختص بالصورة أمور منها: إن الله تعالى ميزه على سائر الحيوانات بأن خلقه في أحسن تقويم فجعله منتصب القامة عريض الظفر معرى البشرة عن الوبر، وجعل عقله في دماغه، وصرامته في قلبه، وغضبه في كبده، وسروره في كليته وضحكه في طحاله، ورعبه في رئته، وفرحه في وجهه.

ومنها أن جعل الحلاوة في عينيه، والجمال في أنفه، والصباحة في وجهه والوضاءة في نشرته، والملاحة في فمه، والظرف في لسانه، والحسن في شعره والرشاقة في قده واللباقة في شمائله

<<  <   >  >>