أمنبر ذاك أم قضيب ... يقرعه مصقع خطيب
يختال في بردتي شباب ... لم يتوضح بها مشيب
أخرس لكنه فصيح ... أبله لكنه لبيب
[القول في طبائع السماني]
ويقال: إنه السلوى ويعد في الطيور القواطع التي لا يعلم من أين تجيء حتى أن بعض الناس يزعم أنه يخرج من البحر المالح فإنه يرى طائرا عليه واحد جناحيه في الماء والآخر منشور كأنه قلع، ولأهل مصر به عناية حتى أنهم يغالون في ثمنه إذا أنجب، وربما بلغت قيمته ثلاثمائة درهم بيضا وأكثر، وهو صنفان ربيعي، والطرماهي فالربيعي القادم الراجل، والطرماهي القاطن المختلف في الأرض، والبلاد الخصيبة، فيبيض ويفرخ فيها كالحجل، ويصاد في الصيف وأوائل الخريف، ويزعم المعتنون به أن صوته ينقسم على سبعة ضروب وهي: رجف، ومخلع، وتحلق، ومرسل، وحططي، وروهال، وخفيف الضرب، وهو أعلاها، وقالوا: هذه ضروب أصلية تتفرع فروعا على تفريغ الغناء والموسيقى، فالرجف مقابل رست، والتحليق مقابل عراق، والمرسل مقابل أصفهان، ويذكرون من هذا الهذيان الذي لا تقوم عليه حجة، ولا برهان ما لا يسع العاقل سماعه، ولا يألفه طباعه فإنهم استسمنوا ذا روم ونفخوا في غير حزم، وذلك إن حكاية صوته على ما اتفقوا عليه) شفشلق (، ولا اعتبار عندهم في القيمة بحسن الصوت، فإنه قد يوجد من الرجوف ما قيمته أكثر من خفيف الضرب، وذلك لأجل الفراهة برقة الأصوات فإنه وجد منها ما صاح في الليلة الواحدة ثلاثة آلاف صوت، وفي الرجوف ما لا يفهم، ويسمى مغلق وهو بالنسبة إلى ما عداه أعجمي، والغالب عليها قبل أن تفصح) الوعوعة (وحكاية صوتها وعوع، وفيها ما يطلق عليها) أبو طقين (وهو عندهم من الضروب الفرحة لأنه يقول شقلق مرتين في صوت واحد، وعلى كل حال فأي معنى في هذا الكلام حتى تتفاوت فيه الرغبات، وتتوفر عليه الطلبات فيغالي في ثمنه ويفوز يتحصيله من ومن) والله الموفق للصواب (
[القول في طبائع الهدهد]
وهذا الطائر منتن الريح وإن لم يكن ملطخا بشيء من القاذورات فإنه يبني أفحوصه من الزبل، وليس ابتناؤه منه على قدر رغبته، وحاجته في ألا يتخذ افحوصا إلا منه ولكنه جرى على أعراق أبويه إذ كان هذا الصنع عاما في جنسه، ويضرب به المثل في النتن، قال بعض الشعراء يهجو رجلا:
وأنتن من هدهد ميت ... أصيب فكفن في جورب
ويذكر عنه أنه يرى الماء في باطن الأرض، كما يراه الإنسان في باطن الزجاج وزعموا أنه كان دليل سليمان عليه السلام على الماء، وبهذا السبب كان تفقده له على أحد أقوال المفسرين للكتاب العزيز، وقال الجاحظ الهدهد، وفي حفوظ وذلك أن الذكر إذا غابت عنه أنثاه لم يأكل ولم يشرب، ولم يشتغل بطلب طعم، ولم يقطع الصياح حتى تعود إليه، فإن حدث بها حادث أعدمه إياها لم يشتغل بعدها بأنثى أبدا، ولم يزل صائحا عليها ما عاش، ولم يمتلئ بعدها من طعام بل منه ما يمسك رمقه إلى أن يشرف على الموت فعند ذلك ينال منه شيئا يسيرا.
[الوصف والتشبيه]
قال بعض الشعراء ملغزا فيه:
وساجد ليس مثله ... خمس ولم يسجد لغفران
قبلته في كل أفق كما ... صليت في الخوف بنقصان
ولآخر من أبيات:
كأنه إذا أتاه من قرى سبأ ... مبشرا قد كساه تاج بلقيس
يبدو له فوق ظهر الأرض باطنها ... كما تبدت لنا الأقذاء في الكوس
وما أطرف قول أبي الشيص فيه:
لا تأمنن على سري وسركم ... غيري وغيرك أوطئ القراطيس
أو طائر سأحليه وأنعته ... ما زال صاحب تأييد وتأسيس
حمر شقاشقه ميل ذوائبه ... حلو شمائله في الحسن مغموس
قد كان هم سليمان ليذبحه ... لولا سعايته في ملك بلقيس
القول في طبائع العقعق