وهذا الحيوان لا يكون إلا في نيل مصر، وقد زعم قوم أنه في نهر مهران السند، وهو شديد البطش في الماء، ولا يدخل عليه الأذى إلا من ابطيه، ومنه مقتله ويعظم إلى أن يكون طوله عشرون ذراعا في عرض ذراعين وأكثر، ويفترس الفرس والإنسان، وما أضرف قول أبي نؤاس وقد أنكر هذه الحالة منه حيث يقول:
أضمرت للنيل هجرانا ومقلية ... إذ قيل لي إنما التمساح في النيل
فمن رأى النيل رأي العين من كثب ... فما أرى النيل إلا في البواقيل
وهو إذا أراد السفاد خرج والأنثى إلى البر فيقلبها على ظهرها واستبطنها فإذا فرغ قلبها لأنها لا تتمكن من الانقلاب لقصر يديها ورجليها، ويبس ظهرها وهو إذا تركها على ظهرها لم تزل على تلك الحال حتى تنقلب، وهي تبيض في البر فما وقع صار تمساحا، وما بقي صار سقنقورا، والتمساح يحرك فكه الأعلى دون الأسفل ولسانه معلق به، ويقال: أنه ليس له مخرج، وإن جوفه إذا امتلأ خرج إلى البر وفتح فمه فجيء طائر معروف بذلك صغير أرقط لا يسقط على فم تمساح إذا فتحه غيره، فلا يزال ينقره بمنقاره ما في جوفه حتى يأتي عليه أو على بعضه فالطائر يأتي يطلب الطعام على معرفة به، فيكون في ذلك غذاء الطائر وراحة التمساح وبعض الناس يقول: إن في رأس هذا الطائر شوكة، فإذا أغلق التمساح عليه فمه حسه بها فيفتحه، وزعم بعض الباحثين عن طبائع الحيوان للتمساح ستين سنا وستين عرقا، ويسفد ستين مرة، ويبيض ستين بيضة ويعيش ستين سنة، ويوجد في سطح جلده مما يلي بطنه سلعة كالبيضة فيها رطوبة دموية كنافجة المسك لا يغادر من رائحة السمك شيئا إلا أنها تنقطع بعد أشهر.
[الوصف والتشبيه]
وصفه شاعر وأجاد:
وذي هامة كالترس يفغر عن فم ... يضم على مثل الحسام المثلم
ويفتر عن مثل المناشير ركبت ... على مشفر مثل القليب المهدم
مشى في شواة من فقارة غيلم ... وسقف لحيا عن مناكب شيهم
[القول في طبائع السقنقور]
وبعض أصحاب الكلام في طبائع الحيوان يسميه الحرذون البحري، ويقال أيضا أنه ورل مائي، ومنه ما هو مصري، وما هو هندي وما يتولد في بحر القلزم وببلاد الحبشة وهو يغتذي في الماء بالسمك، وفي البر بالعظايات يسترطه كالحيات وجلده في غاية الحسن لما فيه من التدبيج بالسواد والصفرة والأنثى تبيض عشرين بيضة، وتدفنها في الرمل فتكمل بحرارة الهواء، ويكون ذلك حضنا لها، وقال التميمي: لأنثاه فرجان، ولذكره نزكان كما في الضباب، ومن عجيب ما ركب فيه من الطباع أنه إذا عض إنسانا وسبقه الإنسان إلى الماء واغتسل منه مات السقنقور، وإن سبق السقنقور إلى الماء مات الإنسان وبينه وبين الحية عداوة متى ظفر أحدهما بصاحبه قتله.
[القول في طبائع السلحفاة]
قال الباحثون عن طبائع الحيوان: السلحفاة تبيض في البر فما أقام به سمي سلحفاة وما وقع إلى البحر سمي لجأة، فأما ما بقي في البر فإنه يعظم حتى لا يكاد الرجل الشديد يحمله وما ينزل البحر يعظم حتى لا يكاد الحمار العاسي يحمله، وربما وجد فيها ما وزنه أربعمائة رطل، وفيها أربعمائة بيضة كبيض الدجاج، ثم صار بريا فوقع إلى البحر تلف، ولم يستطع الرجوع إلى البر وما صار بحريا فخرج إلى البر وأصابه حر الشمس تلف ولم يستطع الرجوع إلى البحر وللسلحفاة حيلة عجيبة وتوصل خفي في الصيد الذي تصيده من الطائر، فإنه يصعد من الماء ويتمرغ في التراب، ويأتي موضعا قد سقط الطير عليه لشرب الماء فيخفى عليها بكورة لونه التي اكتسبها من الماء والتراب فيصيد منها ما يكون قوتا له، ويدخل الماء ليموت فيأكله، والسلحفاة تحضن بيضها بالنظر إليه، والرصد لا غير، وللذكر نزكان، وللأنثى فرجان، والذكر يطيل المكث في السفاد، وهذا الحيوان مولع بأكل الحيات، وإذا أكلها أكل بعدها صعترا يدفع به سمها.
[الوصف والتشبيه]
قال شاعر يصفها:
وسلحفاة يمج ... سكونها والحركة
شبهتها بديلمي ... ساقط في معركة
مستتر بترسه ... عمن عسى أن يهلكه
وقال أبو بكر الخوارزمي يصفها:
بنت ماء بدت لنا من بعيد ... مثل ما قد طوى البحاري سفره
رأسها رأس حية وقراها ... ظهر ترس وجلدها جلد صخرة
مثل فهر العطار دق به العط ... ر فحلت طرائق الطيب ظهره