فويلمه إن كان يوم غواره ... عن المجد يحمي أو عليه يقارع وهذه الأربع قصائد إنما ذكرتها على نسق لكونها على قافية واحدة ولكونها عملت في قالب المناظرة والمماثلة، وعرضت في معرض المجاورة والمساجلة ليوازن بين قرائح شعرائها، وتثبيت الحكم فيها، ويعطي كل قريحة قسطها من أنصافه على أن للبحتري قصيدة وصف الذئب فيها تقصر عنها شيئاً، وكل نظم عمل في معناها، وتتمنى القرائح أن تأتي بمثلها فيحول العجز بينها وبين مناها، وهي طويلة جاء منها:
وليل كأن الصبخ في أخرياته ... حشاشة نصل ضم أفرنده غمد
تسربلته والذئب وسنان هاجع ... بعين ابن ليل ماله بالكرى عهد
أثير القطا الكدري عن جثماته ... وتألفني فيه الثعالب والربد
وأطلس ملئ العين يحمل زوره ... وأضلاعه من جانبيه شوى نهد
له ذنب مثل الرشاء يجره ... ومتن كمتن القوس أعوج مناد
طواه الطوى حتى استمر مريره ... فما فيه إلا العظم والروح والجلد
سما وبي من شدة الجوع ما به ... ببيداء لم تعرف بها عشية رغد
تقضقض عصلا في أسنتها الردى ... كقضقضة المقرور أرعده البرد
عوى ثم أقعى وارتجزت وهجته ... فأقبل مثل البرق يتبعه الرعد
واوجرته عرجاء تحسب ريشها ... على كوكب ينقض والليل مسود
فما زاد إلا جرأة ... وضراوة ... وأيقنت أن الأمر منه هو الجد
واتبعتها أخرى فأظلت نصلها ... بحيث يكون اللب والرعب والحقد
فخر وقد أوردته منهل الردى ... على ظمأ لو أنه عذب الورد
وقمت فجمعت الحصى فاشتويته ... عليه وللرمضاء من تحته وقد
ولبعض الأعراب يصفه فقال:
فباتت وبات الذئب يعوي كأنه ... حبيب لها باليد يهوى ويعسل
أزل كعود الخبز رانة لونه ... كلون دخان النار أطلس المحل
عسوب السرى لا يملأ الليل صدره ... على الهول مقدام كسوب معبل
متى ما يفد يكن ذخره ... له مشرب في صدر يوم ومأكل
ولم ير إلا وهو في كل ليلة ... مع الكسب منه معوز الزاد مرحل
مفيد مبيد ما أفاد فما به ... إلى أحد فقر ... ولا يتحول
وكل هذه القصائد عيال على قول من قال يصفه
هو الخبيث عنه فراره ... أطلس يخفي لونه غباره
في فمه شفرته وناره ... لهم بني سنجاب مر داره
والطريف من وصفه قول الآخر وهو المشهو لأبي إسحاق إبراهيم بن خفاجة من أبيات يصف ذئباً:
ولرب رواغ هنالك أنبط ... ذلق المسامع أطلس الأطمار
يجري على حذرٍ فيجمع بسطه ... تهوى فتعطف انعطاف سوار
ممتد حبل الشأو يعسل رائعاً ... فتكاً ويغلب أيدي الأقدار
[فصل]
ويلحق بالذئب في الذكر ابن آوى وهو عند المتكلمين في طبائع الحيوان ذئب أهلي لأنه لا يكون أبداً إلا قريباً من الناس، وعمارة الأرض وإنما سمي ابن آوى لأنه يأوي إلى عواء أبناء نوعه، ولن يعوي إلا ليلاً، وذلك أنه إذا استوحش وبقي وحده عوى فلا يسمع عواءه ابن آوى عن قريب ولا بعيد إلا أسرع إليه حتى يصير معه فيستأنس به، وهو شديد الختل لصائده، ولهذا قيل أن بعض المحترفين بالصيد يذكر أن قيمته لا تفي بالتعب عليه، وهو قوله:
إن ابن آوى لشديد المقتنص ... وهو إذا ما صيد ريح في قفص
ويقال أن صياحه يشبه صياح الصبيان وهي والضباع والثعالب تتسافد وتتلاقح
[القول في طبائع الضبع]
وهي سبع مهيمن لأكلها الجيفة، والميتة، يقول أصحاب الكلام في طبائع الحيوان أنها كالأرانب تصير مرة ذكراً ومرة أنثى، فيلقح في حال الأنوثة، ويلقح في حال الذكورية ولها في الليل قوة وسورة، وتوصف بالعرج وفيها يقول بعض العرب:
من الغبر لا يدري أرجل شمالها ... بها الضلع لما هرولت أم يمينها