وأما الأيل فإن أصحاب البحث عن طبائع الحيوان يقولون أن ذكره من عصب لا لحم فيه ولا غضروف، ولا عظم، وإن قرنه مصمت لا تجويف فيه، والأنثى تقلق لنزو الذكر قلقاً شديداً، ولهذا لا تثبت لنزوه إلا في الفرط مرة واحدة، وإذا حملت لا تضع إلا على السب، والطرق لهرب السباع من الجادة المسلوكة، وإذا وضعت أكلت الجعدة لإصلاح لبنها، وهي تحب الكينونة في القمر، وتأتي بولدها إلى أماكن الماء، وتعرفه المواضع التي ينبغي أن يهرب إليها إذا احتاج إلى الهرب، وهي صخور فيها صدوع، وتجويفات، ليس لها مدخل واحد، وتقف على ذلك المدخل وتقاتل بجهدها كل حيوان يطلب ضرر ولدها، والأيل يسمن جداً، فإذا سمن اختفى في موضع لا يعرف خوفاً أن يصاد لسمنه، وهو مولع بالحيات يطلبها في كل موضع فإذا انجحرت منه أخذ في فمه ماء ثم نفخه في الجحر فتخرج له ذنبها فيأكلها حتى ينتهي إلى رأسها فيتركه خوفاً من السم، وربما لسعته فتسيل دموعه إلى نقرتين تحت محاجر عينيه يدخل الأصبع فيهما، فتجمد تلك الدموع وتصير كالشمع يتخذ ترياقاً لسم الحيات، وهو البادزهر الحيواني، وإذا لسعته أكل السراطين فيبرأ، وكذلك يأكل التفاح الحامض إن كان زمانه، أو ورق شجره فيبرأ، ولا تنبت له القرون إلا بعد أن يمضي عليه سنتان من عمره وإذا نبت قرناه نبتا مستقيمين كالوتدين، وفي الثالثة يتشعب، ولا تزال الشعب في زيادة إلى تمام ست سنين، وحينئذ يكونان كالشجرتين على رأسه ثم بعد ذلك يلقي قرونه في كل مرة ثم تنبت، وإذا نبتا له تعرض بهما للشمس ليصلبا وإذا صارا كالشجرتين منعاه الإحضار، فلا يكاد يفلت إذا طردته الخيل وهو إذا ألقاهما انجحر حتى ينبتا لأنهما آلته وليس له سلاح غيرهما يدافع بهما عن نفسه كالترس للجبان لأنه لا ينطخ بهما إلا إذا صلحا لذلك زعم أرسطو: أن هذا النوع يصاد بالصفير والغناء، فهو ينام ما دام يسمع ذلك، والصيادون يشغلونه بالتطريب ويأتون إليه من خلفه فإذا رأوه مسترخية أذناه وثبوا عليه، وإن لم يكن فليس لهم إليه سبيل وإذا اشتد عليه العطش من أكل الحيات أتى غدير الماء، واشتمه ثم انصرف عنه يفعل ذلك أربعة أيام، ثم يشرب في اليوم الخامس، وإنما يمتنع عن شرب الماء لخوفه على نفسه من سريان السم في الجسد مع الماء.
[الوصف والتشبيه]
شاعر يصفه يصد عن الماء مع حاجته ويذكر محبوبته:
هجرتك لا قليً مني ولكن ... رأيت بقاء ودك في الصدود
كهجر الظامئات الماء لما ... تيقن المنايا في الورود
تذوب نفوسها ظمأ وتخشى ... هلاكاً فهي تنظر من بعيد
وقال آخر في مثل ذلك:
وما ظامئات طال في القيظ ظمؤها ... فجاءت وفي الأحشاء غلي المراجل
فلما رأين الماء عذباً وقد أتت ... إليه رأين الموت لون المناهل
فولت ولم تشف صداها وقد طوت ... حشاها على وخز الأفاعي القواتل
بأعظم من شوقي إليك وحسرتي ... عليك ولم التذ منك بطائل
وأما اليحمور: ويسمى اليامور، فإن قرونه كقرون الأيل إلا أنها أصغر وهو يلقيها في كل سنة، وهي صامتة لا تجويف فيها، ولونه إلى الحمرة، وهو أسرع من الأيل.
وأما الثيتل: فينعت ببقر بني إسرائيل، وهو لا يعرف بالشام ولا بالعراق ولا بالحجاز، وإنما يوجد في غور بيسان، وبنواحي مصر، ولونه في لون الأصفر من البقر، ودونه بقليل، لكنه أطول وجهاً منها، وقرونه كقرون الغزلان إلا أنها أجفى، ولسرعة حضره لا يكاد يلحقه إلا الفرس الجواد.