قال أبو اسحاق الصابي يفصها من أرجوزة بعث بها إلى أبي الفرج الببغاء يمدحه فيها:
أنعتها صبيحة مليحة ... ناطقة باللغة الفصيحة
أضحت من الأطيار واللسان ... موهم لي أنها الإنسان
تنهي إلى صاحبها الأخبارا ... وتكشف الأسرار والاستارا
سكاء إلا أنها سميعة ... تعيد ما تسمعه مطيعة
وربما لقنت العضيهة ... فتغتدي بذية سفيهة
زارتك من بلادها البعيدة ... واستوطنت عندك كالقعيدة
ضيف قراه الجوز والأرز ... والضيف في أبياتنا يعز
تراه في منقارها الخلوقي ... كلؤلؤ يلقط بالعقيق
تنظر من عين. . . كالفصين ... في النور والظلمة بصاصين
تحبس في حلتها الخضراء ... مثل الفتاة الغادة العذراء
خريدة خدودها الأقفاص ... ليس لها من جنسها خلاص
تحبسها وما لها من ذنب ... وإنما تحبسها للحب
تلك التي قلبي بها مشغوف ... كنيت عنها واسمها معروف
بشرك فيه شاعر الزمان ... والكاتب المعروف بالبيان
ذلك عبد الواحد بن نصر ... تقيه نفسي حادثات الدهر
فأجابه أبو الفرج عنها بقوله:
من منصفي من حكم الكتاب ... شمس العلوم قمر الآداب
أسى لأصناف الكلام محرزاً ... وسام أن يلحق لما برزا
وهل يجارى السابق المقصر ... أم هل يبارى المدرك المعذر
ما زال بي عن غرض معرضاً ... ولي بما يصدره مستنهضا
فتارةً يعتمد. . . الخطافا ... ببدعٍ تستغرق الأوصافا
وتارةً يعنى بنعت القبح ... من منطق لفصله محتج
يحوم حول عرض معلوم ... ومقصد في شعره مفهوم
حتى تجلت دعوة الصريح ... وسلم التلويح للتصريح
وصح إن الببغاء مقصده ... بذكر ما كان قديماً يورده
فلم يدع لقائلٍ. . . مقالاً ... فيها ولا لخاطرٍ. . . مجالا
أحال بالريش الأشيب الأخضر ... وباحمرار طوقها والمنسر
على اختلاط الروض بالشقيق ... واخضر الميناء بالعقيق
تزهى بدواجٍ من الزبرجد ... ومقلة كسبح من عسجد
وحسن منقار أشم قان ... كأنما صيغ من المرجان
صيرها انفرادها في الحبس ... بنطقها من فصحاء الأنس
تميزت في الطيران بالبيان ... عن كل مخلوقٍ سوى الإنسان
تحكي الذي تسمعه بلا كذب ... من غير تغيير لجد أو لعب
غذاؤها أزكى طعام وجدا ... لا تشرب الماء ولا تخشى الصدا
ذات شفى تحسبه ياقوتا ... لا يرتضي غير الأرز قوتا
كأنما الحبة في منقارها ... حبابة تطفو على عقارها
أقدامها ببأسها الشديد ... أسكنها في قفص الحديد
فهي كخود في لباس أخضر ... تيا) خركاوه (لم تستر
فوصفها المعجز ما لا يدرك ... ومثله في غيرها ما لا يملك
لو لم يكن لي لقباً لم أقصر ... لكن خشيت أن يقال منتصر
وإنما تبعت. . . باستحقاقي ... لوصفها حذق أبي إسحاق
شرفها وزاد في تشريفها ... بملح أبدع في تفويفها
فكيف أجرى بالبناء المنتخب ... من صرف المدح إلى أسمي واللقب
القول في طبائع القبج والدراج