ويسمى زوار الهند وهو من الطير القواطع إلى الناس يقطع البلاد البعيدة إليهم رغبة في القرب منهم والألف بهم من حيث لا يبلغه خير ولا يطأه صاحب سفر، ثم إنه إذا قطع الناس لم يبن بيته إلا في أبعد المواضع حيث لا تناله أيديهم ولا يحمله الإنس بهم على ترك التحرز منهم ومن ملابستهم والخوف منهم على منع نفسه لذة السكون إليهم فهو لا يبخس الحزم حقه، ولا يمنع الارتقاء بهم حظه، ومن عجيب حاله أنه تقلع عينه فترجع وهو لا يرى أبدا واقفا على شيء يأكله ولا يتناوله، حتى أن بعض المتكلمين في طبائع الحيوان زعم أنه ليس له رجلان، ولا يرى مسافرا، ولا مجتمعا بأنثاه، والخفاش عدو له وهو متى أفرخ وضع في أعشاشه قضبان الكرفس فلا تؤذيه إذا شم رائحته، ولا يفرخ في عش عتيق حتى يطينه بطين جديد وهي يبني عشه جديدا وذلك أنه يهيئ الطين مع التبن، وإذا لم يجد طينا مهيئا ألقى نفسه في الماء ثم تمرغ في التراب حتى يمتلئ جناحاه ويصير شبيها بالطين، وإذا هيأ عشه وضع الجاسي أولا كما يفعل الناس ويصير مقدار العش ما يسعه ويسع أنثاه وفرخيه وهو يساوي في الطعم بينهما، وهو لا يبقي في عشه زبلا بل يلقيه خارجا، فإذا كبر فرخاه علمهما ذلك وأصحاب اليرقان يلطخون فراخ الخطاف بالزعفران فإذا رآهما صقر ظن أن اليرقان أصابهما من شدة الحر فيذهب ويأتي بحجر اليرقان فيطرحه على الفراخ، وهو حجر أصفر فيأخذه المحتال فيعلقه على من به اليرقان أو يحكه ويشرب من مائه يسيرا، والخطاف متى سمع صوت الرعد مات.
[الوصف والتشبيه]
قال أبو إسحاق الصابي:
وهندية الأوطان زنجية الخلق ... مسودة الأبواب محمرة الحدق
كأن بها حزنا وقد لبست له ... حدادا وأدرت من مدامعها العلق
إذا صرصرت صرت بآخر صوتها ... كما صر ملوي العدو بالوتر الحزق
تصيف لدينا ثم تشو بأرضها ... ففي كل عام نلتقي ثم نفترق
وقال السري الرفاء يصفها من أبيات يصف فيها عرفه:
وغرفتنا بين السحائب نلتقي ... لهن عليها كلة ورواق
تقسم زوار من الهند سقفها ... خفاف على قلب النديم رشاق
أعاجم تلتذ الخصام كأنها ... كواعب زنج راعهن طلاق
آنسن بنا أنس الإماء تحببت ... وشيمتها غدر بنا وإباق
مواصلة والورد في شجراته ... مفارقة إن حان منه قران
وله أيضا:
وغرفتنا الحسناء قد زاد حسنها ... بزائرة في كل عام تزورها
مبيضة الأحشاء حمر بطونها ... مزبرجة الأذناب سود ظهورها
لهن لغات معجمات كأنها ... صرير نعال السبت عال صريرها
تجاورنا حتى تشب صغارها ... فيلحق فينا بالكبير صغارها
وقال أبو هلال العسكري:
وزائرة في كل عام تزورنا ... فتخبر من طيب الزمان مزارها
تخبر إن الجوراق قميصه ... وإن رياضا قد توشى ازارها
وإن وجوه الغرراق بياضها ... وإن متون الأرض راع اخضرارها
تحن إلينا وهي من غير شكلنا ... فتدنو على بعد من الشكل دارها
ويعجبنا وسط العراص وقوعها ... تمشت إلينا هندها ونوارها
وقال آخر:
أهلا بخطاف أتانا زائرا ... غردا يذكر بالزمان الباسم
لبست سرابيل الصباح بطونه ... وظهوره ثوب الظلام الغائم
[القول في طبائع القيق والزرزور]
أما القيق فطائر في قدر الحمام اللطيف، وأهل الشام يسمونه أبو زريق، وفي طبعه كثرة الألف بالناس، وقبول التعلم، وسرعة الإدراك لما يلقن من الكلام، وربما زاد على الببغاء في ذلك إذا أنجب، وإذا تعلم جاء بالكلام حروفا مبينة أسماء وأفعالا حتى لا يشك سامعه إذا سمعه ولم يره أنه إنسان، وأما الزرزور فيقال إنه ضرب من الغراب يسمى الغداف، وقال آخرون: هو الزاع، وهو من الطير الذي يلقن فيبلغ منها الأمل في قبول التعليم ولا يرى إلا في الربيع، ولونه أرقط لكن السود أغلب، ومن الشاد في لونه الأبيض، وقد روي في هدية أهداها منويل ملك الروم إلى الأمام المستنصر بالله العبيدي
[الوصف والتشبيه]
يا رب أعجم صامت لقنته ... ظرف الحديث فصار أفصح ناطق
جون اعير قوة صفرة ... كالليل طرزه وميض البارق
حكم من التدبير أعجزت الورى ... ورأى بها المخلوق ألطف خالق
وقال آخر: