ولم يذكر أحد من الشعراء وصفا لبغل أجود من أبي عبادة البحتري قال:
واقب نهد للصواهل شطره ... يوم الفخار وللشج
وخرق يتيه على أبيه ويدعي ... عصبية لبني الضبيب وأعوج
مثل المذرع جاء بين عمومة ... في غافق وخؤوله للخزرج
طرائف في ذم البغال: المثل المضروب في ذلك ببغلة أبي دلامة، وأهل الأدب ينسبون إليه أبياتا ساقطة يصف فيها عيوب بغلته، اخترت منها:
أبعد الخيل أركبها كراما ... وبعد الفر من محضر البغال
رزقت بغيلة شوهاء فيها ... عيوبا ليس في المقال
وغني إن ركبت آذيت نفسي ... بضرب باليمين وبالشمال
برر فليس تبرح قدر شهر ... وقل لها على ذاك احتيالي
وتضرط أربعين إذا وقفنا ... على أهل المجالس والموالي
فتقطع منطقي وتحول بيني ... وبين كلامهم مما توالي
ويدبرها ظهرها من مسح كف ... ويهزل في البراقع والجلال
ويخفي لو تمر على الحشايا ... ولو تمشي على دهش الرمال
إذا استعجلتها راثت وبالت ... وقامت ساعة عند المبال
وكانت قارحا أيام كسري ... وتذكر تبعا عند النصال
وقد ولدت ونعمان صبي ... وآخر عمرها لهلاك مالي
[القول في طبائع الحمال الأهلي]
قال المتكلمون في طبائع الحيوان ليس في الحيوان شيء ينزو إلى غير نوعه، ويأتي فيه شبيهه إلا الحمار، وهو ينزو إذا مضى له ثلاثون شهرا، ولا يولد له قبل أن يتم ثلاث سنين ونصف، قالوا: هذا النوع صنفان صنف جاس عاس يصلح لحمل الأثقال، والآخر لدن دمث أحر وأيبس من نفس الفرس فتراه كبير الشعب، والحركة بمنزلة النار المتوقدة لا يهدأ اضطرامها، فهذا يصلح أن يرفه للركوب في قضاء الأوطار والحاجات، وأجود الحمير المصرية، وأهلها يعتنون بتربيتها والقيام عليها لما يجدون فيها من الفراهة، وسرعة الحضر، والمجابة ويتغالون في أثمانها بحسب فراهتها حتى بيع منها في بعض السنين حمار بمئة دينار، وعشرة دنانير، وكان صاحبه يسمع أذان المغرب بالقاهرة فيركبه ويسوقه ويلحقها بمصر، وبينهما ثلاثة أميال، ومن عادة الحمار أنه إذا شم رائحة الأسد رمى نفسه عليه من شدة خوفه له يريد بذلك الفرار منه.
قال حبيب بن أوس الطائي في أبيات يخاطب بها عبد الصمد بن. . . . وقد هجاه وحيث يقول:
أقدمت ويلك من هجري علي خطر ... والعير تقدم من خوف على الأسد
وفي الحمار داء الحلاق كالخنزير، وبعض أصحاب الحديث في الطبائع ينطر ذلك ويقول الحلاق داء يصيب قضيب الحمار يقال له حلق الحمار يحلق حلقا إذا احمر قضيبه وتقشر فإن لم يخص وإلا مات وقال قطرب الحلاق في الإناث إذا أصابها ذلك، ويوصف بالهداية لأنه لا يضل عن طريق سلكه ولو لمرة واحدة، ولا يخطئه وفإن ضل راكبه الطريق هداه وحمله على الحجة، ويوصف بحدة حاسة السمع بحيث أنه ينذر راكبه بما يتوقع خوفه فيحذر منه، وإن بعد مثواه، وهذا الحيوان يحس بالبرد، ويؤذيه أكثر من غيره، ولهذا لا يوجد في بلاد موغلة في الشمال، وبلاد الصقالبة، ويعتريه مرض في الدماغ مثل الزكام يعرض له لبرد دماغه، ويسيل من منخريه بلغم حار، فإن انحط إلى الرئة مات والظريف العجيب إذا نهق أضر بالكلب حتى يقال إن نهيقه يحدث بالكلب مغصا، ولذلك يطول نباحه.
[الوصف والتشبيه]
وللناس في مدحه وذمه أقوال متباينة بحسب الأغراض في الحب والبغض أما المدح، قال الرقاشي لما قيل له: إنك تكثر ركوب الحمير، قال: لأنها أكثر مرفقا قيل له: وما ذلك قال: لأنها تستدل بالمكان على اختلاف الزمان، وهي اقل المراكب داء، وأيسر دواء وأسلمها صريعا وأحفظها مهوى، وأقربها مرتقى، وأقلها جماحا، واشهرها فارها، يزهي به راكبه، وقد تواضع بركوبه ويكون مقتصدا وإن أسرف في ثمنه.
وأما الذم فإن أعرابية سئلت عنه فقالت لعنه الله لا يذكي ولا يزكي إن أطلقته ولى، وإن ربطته أدلى، عظيم الحرارة بطيء في الغارة لا تقرى به الدماء، ولا تمهر به النساء ولا يحلب في الإناء وقال جرير بن عبد الحميد: لا يركب الحمار فإنه إن كان فارها أتعب يديك وإن كان بليدا أتعب رجليك.