قال أصحاب الكلام في طبائع الحيوان: إن الخنفساء تتولد من عفونة الأرض ومن فسادها، ومن مادة لم يكن يجيء منها خيرا لأن الحمار لا يجيء منها فرس وهذا النوع هو أصناف منها الخنفس المعروف، وهو أطول من الضب ذماء فأنه يشدغ، فيسير ويمضي، وبه يضرب المثل في اللجاج وليس له أحشاء وبينه وبين العقارب والضفدع صداقة، ومنها الجعل وهو يتولد من اخثاء البقر وفي طبعه أنه يموت إذا شم رائحة الطيب، وإذا دفن في الورد مات أيضا، وإذا أخرج منه ودفن في الروث عاش، وله ستة أرجل وسنام مرتفع محدد جدا، وهو يمشي إلى الخلف وهو مع هذه المشية يهتدي إلى بيته، ويسمى الكبرتل، وقال بعضهم: لا يصير كبرتلا حتى يصير له جناحان إذا وقع إلى الأرض استتر بقشرة ولم ير منها شيء، فإذا أراد الطيران تنفس فيظهران، ومن عاداته أنه يحرس النيام فمن قام منها لقضاء حاجته تبعه، وذلك من شهوته للغائط، فإنه قوته، ومنها صنف يسمى حمار قبان وهو يتولد في الأماكن الندية على ظهره شبه المجن، ومنها صنف يسمى بنات وردان وهي أيضا تتولد في الأماكن الندية وأكثر ما يكون في الحمامات والساقيات وفيها من الألوان الأسود، والأصهب، والأبيض وهي إذا تكونت وتسافدت، باضت بيضا مستطيلا، وصفها بعض الشعراء فقال:
بنات وردان جنس ليس تبعته ... خلق كنعتي في وصفي وتشبيهي
كمثل أنصاف بسر أحمر تركت ... من بعد تشقيقه أقماعه فيه
ومنها الصراصر والجنادب، وهذا الصنف معرى من الأجنحة له صوت بالليل لا يفتر منه إذا طلع الفجر ولا يعرف له مكان إلا بتتبع صوته، وأمكنة المواضع الندية وفيه ألوان: الأسود وهو جندب الجبل والاكام السود، والأورق وهو جندب الطلح، والسمر والغضا والأبيض وهو جندب الصحارى، قال السري الرفاء يصف جندبة:
وجندبة تمشي بساق كأنها ... على فخذ من عود منشار عرعر
حسلة تجلو الجناح كأنها ... عروس تجلت في عطاف معنبر
وأما الهوام فأول ما نبدأ منها:
[القول في طبائع القراد]
وهذا الحيوان أول ما يكون، وهو لا يكاد يرى صفرا قمامة، ثم يصير حمنانة ثم يصير حلمة، وهو يخلق من عرق البعير ومن الوسخ والتلطخ بالثلط والأبوال كما يخلق القمل من عرق الإنسان، والحلم يعرض لأذن الكلب أكثر مما يعرض للبعير ومن طبع القراد، أنه يسمع رغاء الإبل من فراسخ فيقصدها، حتى أن أصحاب الإبل يبعثون إلى الماء من يصلح لإبلهم الارشية وأدوات السقي، فيبيت الرجال عند البئر ينتظرون مجيء الإبل فيعرفون قربها منهم في جوف الليل بانبعاث القردان وسرعة حركتها ومرورها حول الرعاء، فإذا رأوا ذلك منها نهضوا وتهيئوا للعمل، ويقول أصحاب الكلام في طبائع الحيوان: إن لكل حيوان قرادا يناسب مزاجه فللكلب قراد يخصه، وكذا البعير، والفرس والبقر وأنشد الجاحظ يصف قرادا:
ألا يا عباد الله هل لقبيلة ... إذا ظهرت في الأرض جد مغيرها
فلا الدين فيها ولا هي تنتهي ... ولا ذو سلاح من معد يضيرها