وأما الحرباء: فدويبة أكبر من العظاية، اغيبر ما كان فرخا ثم يصفر، وهو يأوى الجحر، ولهذا جعلت له الأصابع والأظفار لنبش التراب، ويكون لونه أسود كالتمساح، وأصفر كسام وابرص ومختلط الألوان، كالفهد وهو في الشمس كثير التلون، فإذا انتقل إلى الظل قل تلونه، وإذا قارب الموت أو مات اصفر، وهو أبدا يطلب الشمس فحين تبدو نحا بوجهه إليها حتى إذا أرمضت الأرض علا رأس شجرة وما يجري مجراها، وذلك عند انتصاف فإذا زالت وصارت على رأسه في قبه وغاب عنه جرمها فلا يراه أصابه مثل الجنون فلا يزال طالبا لها لا يفتر إلى أن يتصوب إلى جهة المغرب، فيرجع بوجهه إليها مستقبلا لها لا ينحرف عنها إلى أن تغيب، فإذا غابت ذهب يطلب معاشه ليله كله إلى أن يصبح، حتى إن طائفة من المتكلمين في طبائع الحيوان يقول: إنه مجوسي، ولسانه طويل جدا مقدار ذراع، وذلك دليل على أنه يكون مطوبا في حلقه، وهو يبلغ به ما بعد عنه الذباب، والأنثى من هذا تسمى أم حبين، وتوصف بالحزم مع تقلبه مع الشمس لا يرسل يده من خوط حتى يمسك بالأخرى خوطا آخر بيده الأخرى وفيه يقال:
أنى أتيح له حرباء تنضبه ... لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا
وكتب بعض الفضلاء إلى بعض أصدقائه رسالة يحثه فيها على الحزم والانفة والتغرب عن وطنه إذا نبأ عنه: اعجزت في الاباء عن خلق الحرباء، أدلى لسانه كالرشاء، يبلغ به ما يشاء، وناط همته بالشمس، مع بعدها عن اللمس وانف من ضيق الوجار، ففرخ في الأشجار وسئم العيش المسخوط، فاستدبل خوطا بخوط فهو كالخطيب على الغصن الرطيب.
وإن صواب الرأي والحزم لامرئ ... إذا بلغته أن لا يتحولا
[الوصف والتشبيه]
لم يأت أحد من الشعراء في وصف هذا الحيوان بمثل ما أتى به ذو الرمة:
كأن يدي حربائها متشمسا ... يدا مجرم يستغفر الله تائب
وقال أيضا في ذلك:
إذا جعل الحرباء يبيض لونه ... ويحضر من لفح الهجير غباغبه
ويشبح بالكفين شبحا كأنه ... أخو فجره عالى به الجذع صالبه
وقال أيضاً يصفه ويذكر هاجره:
يصلي بها الحرباء للشمس ماثلا ... على الجذع إلا أنه لا يكبر
إذا حول الظل العشي رأيته ... حنيفا وفي وقت الضحى يتنصر
وأما العظاية: وتسمى شحمة الأرض، وشحمة الرمل، وهي أنوع كثيرة منها الأبيض، والأحمر، والأخضر، وكلها منقطات بالسواد، وهذه الألوان بحسب مساكنها فإن منها ما يسكن الرمال، ومنها ما يسكن قريبا من الماء والعشب وما يألف الناس، وقال أرسطو العظاية تبقى في جحرها زمن الشتاء أربعة أشهر لا تطعم شيئا، وفي طبعها محبة الشمس وتتصلب فيها، ومن خرافات الحكايات أن السموم لما فرقت على الحيوان المسموم احتبست العظاية عند التفرقة، حتى نفذ السم وأخذ كل حيوان قسطه على قدر السبق والبكور، فلم يكن لها فيه نصيب، داخلها من الحسرة والكرب ما جعلها تسكن في المزابل والخرابات وفي طبعها أنها تمشي سريعا ثم تقف كالمتحير، ويقال: إن ذلك لما تعرض لها من التفكر والأسف على ما فاتها منه.
وأما الوزع: وتسمى سام ابرص، فذكر أصحاب الآثار: إنه أصم، وادعوا أن السبب في صممه وفي برصه أن الداوب كلها حين ألقي إبراهيم عليه السلام في نار النمرود كانت تطفئ عنه، وإن هذا كان ينفخ عليه فصم وبرص وفي طبعه أنه لا يدخل شيئا فيه زعفران، والحيات تألفه كما تألف العقارب والخنافس، وهو يطاعمها ويزاقها، وهو يقبل اللقاح بفيه، ويبيض كما تبيض الحيات، وزعم زرادشت أن سام ابرص من ذوات السموم، ونصيبه من السم نصيب مقتصد لا يكمل بأن يقتل، ومتى دبر سام ابرص جاء منه سم قاتل، وفي تركيبه أنه إذا قتل ووضع على جحر حية هربت منه ولم تأوه وهو يقيم جحره زمن الشتاء أربعة أشهر لا يطعم شيئا البتة.
؟ القول في طبائع القنفذ