لما تفرى الليل عن اثباجه ... وارتاح ضوء الصبح لانبلاجه
غدوت أبغي الصيد من منهاجه ... بأقمر أبدع في نتاجه
ألبسه الخالق من ديباجه ... ثوباً كفى الصانع من نساجه
حال من الساق إلى أوداجه ... وشياص يحار الطرف في اندراجه
في نسقٍ وفي. . . انعواجه ... وزان فوديه إلى حجاجه
بزينة كفته عز تاجه ... منسره يثنى على خلاجه
وظفره يخبر عن علاجه ... لو استضاء المرأ في إدلاجه
بعينه كفته عن سراجه ومن طردية لأبي فراس:
جئت ببازٍ حسنٍ اسبهرج ... دون العقاب وفوق الزمج
زين لرائيه وفوق الزين ... ينظر من نارين في غارين
كأن فوق صدره. . . والهادي ... أثار مشى الذر في الرماد
ومن رسالة لأبي إسحاق إبراهيم بن خفاجة الأندلسي يصف بازياً: طائر يستدل بظاهر صفاته على كرم ذاته، طوراً ينظر نظر الخيلاء في عطفه كأنما يزهى به جبار، وتارة يرمي نحو السماء بطرفه كأنما له هناك اعتبار، وأخلق به أن ينقض على قنيصه شهاباً، ويلوى به ذهاباً، ويحرقه توقداً والتهاباً، وقد أقيم له سايغ الذنابي والجناح، كفيلين في مطالبه بالنجاح، جيد العين وارثر حديد السمع والبصر يكاد يحس بما يجري ببال، ويسري من خيال، قد جمع ببين عزة ملك وطاعة مملوك، فهو بما يشتمل عليه من علو الهمة، ويرجع إليه بمقتضى الخدمة، مؤهل لإحراز ما تقتضيه شمائله، وإنجاز ما تعد به مخائله، وخليق بمحكم تأديبه وجودة تركيبه أن يكون مثل له النجم قنصاً، أو أجرى بذكره البرق قصصاً، لاختطفه أسرع من لحظة، وأطوع من لفظة وانتسفه أمضى من سهم، وأسرع من وهم، فقد اتسم بشرف جوهره، وكرم عنصره لا يوجه مسفراً إلا غادر قنيصه معقراً، وآب إلى يد من أرسله مظفراً، مورد المخلب والمنقار، كأنما خضب بحناء أو كرع في عقار.
وله أبيات يمدح بها:
طرد القنيص بكل قيد طريده ... زجل الجناح مورد الأظفار
ملتفة أعطافه بجيرة ... مكحولة أجفانه بنظار
يرمي به الأمل القصير فينثني ... مخضوب رائي الظفر والمنقار
[الصنف الثاني من البازي]
وهو الزرق، وهذا الصنف بازي لطيف إلا أن مزاجه أحر وأيبس، ولذلك هو أشد جناحاً، وأسرع طيراناً، واقوى إقداماً، وفيه ختل وخبث، وذلك أنه إذا أرسل على طائر طار من غير مطاردة، ثم عطف عليه، وأظهر الشدة بعد اللين وفي ألوانه الأبيض وخير ألوانه الأسود الظهر الأبيض الصدر، الأحمر العين وصفة المحمود منه: أعدلها خلقاً وأقلها ريضاً، وأثقلها حملاً وأحلاها دارجها شدقاً وأوسعها عيناً، وأصغرها رأساً، وأصفاها حدقة، وأطولها عنقاً، واقصرها خافية، وأشدها لحماً، وخضرة رجلين وسعة مخلاب، وتعرياً من اللحم وادواؤه وعلاجه كالبازي داء ودواء.
[الوصف والتشبيه]
قال أبو نؤاس من أرجوزة طردية:
وقد اغتدى بسفرة معلقه ... فيها الذي تريده مرفقه
مبتكراً يزرق أو زرقه ... وصفته بصفة مصدقه
كأن عينيه لحسن الحدقه ... نرجسة نابتة في ورقه
ذو مننسر مخضب معلقة ... كأنه رامشته مخلقه
في كف جود طفلة أو ملعقه ... كم وزة صدنا به ولقلقه
سلاحه في لحمها مفرقه
ومن طردية لعبد الله بن المعتز:
تم له قميص وشى سابغ ... ومنسر ماضي الشباه دافغ
أعقف في حوض الدماء والغ ... رسول زرق نجيب بالغ
تملأ كفيه جناح فارغ
وقال الناشئ:
يا قانص أعد علينا ... بزرق مخبور
مناهض للبازي ... مغالب الصقور
له جناح موشى ... مضاعف التنمير
مظاهر ببردة ... مبطن بحرير
وكف سبع هصور ... محجن الأطفور
تقول فيه الخطا ... طيف لذذت من صقور
ومنسر ذي انعطاف ... كقرن ظبي غرير
في هامة كلفته ... كالجندل المستدير
وصدر باز طرير ... مفوف التحبير
كأنه ثوب وشي ... معرج التسنير
له طنابيب هقل ... وعين صقر ذعور
له بديهة صوت ... كنبذة من زمير
إذا استمرت لسمع ... الغادي لشرب الخمور
ألهته عن كل نأي ... يحكي بهم وزير
الصنف الثالث من البازي