وقال أصحاب الكلام في طبائع الحيوان: البغل مركب من الفرس والحمار ومركب من فساد بينهما ولما كان ممتزجا بينهما صار له صلابة الحمار، وعظم آلات الخيل، وكذلك شجيحة، مولد بين نهيق الحمار، وصهيل الفرس، وقال الجاحظ: البغل يخرج بين حيوانين يلدان حيوانين مثلهما ويعيش نتاجهما، ويبقى بقائهما وهو لا يعيش له ولد وليس بعقيم، ولا يبقى للبغلة ولد، وليست بعاقر، وخرج أطول عمرا من أبويه وأصبر على الأفعال من طرفيه كابن المذكرة من النساء والمؤنث من الرجال فإنه يكون نتاجهما أخبث نتاجا من البغل، وافسد أعراقا من السمع، وأكثر عيوبا من العسبار وشر الطبائع ما تجاذبته الأعراق المتضادة والأخلاق المتعادية، والعناصر المتباعدةويقال: إن أول من أنتجها قارون وقيل أفريدون أحد ملوك الفرس.
وقال الشاعر في كون البغل مركبا جامعا لخلقي الفرس والحمار:
البغل فيه لمن يمارسه ... صبر الحمار وقوة الفرس
وقال ابن رشيق في ذمه لميله في الطبائع إلى أمه دون أبيه:
أوصيكم بالبغل شرا فإنه ... من العير في سوء الطباع قريب
وكيف يجني البغل يوما بحالة ... يسرو فيه للحمار نصيب
والبغل يوصف برداءة الخلق والتلون لأجل التركيب، وينشد على طريق المصل:
خلق جديد كلوم ... مثل أخلاق البغال
ومن أخلاق البغال الألف لكل دابة، ويذكر بالهداية في طل طريق يسلكه مرة واحدة، ويقول أصحاب الكلام في الطبائع أن ابوال إناث البغال تنقية لأجسادها كما تنقي النساء بدم الطمث.
مخايل النجابة في هذا النوع: قال بعضهم:) إذا اشتريت بغلة فاشترها طويلة العنق تجده في نجابتها مشرقة الهادي تجده في طاعتها مجعدة الجوف تجده في صبرها (، والأحسن في مدحها قول عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة لحارث بن عبد المطلب جوابا لصفوان بن عمرو بن الاهتم، وقد أنكر عليه ركوب البغل: إنه يطأطئ عن خيلاء الخيل، وارتفع عن ذلة العير، وخير الأمور أوسطها، ولقي أحمد بن زيد، محمد بن الحسن على بغل، فقال أجرى الله تعالى البغال فإن أخلاقها ذميمة وأفعالها لئيمة، وخزيها دائم وسبقها قائم، فقال له محمد: هي مع ذلك مراكب الملوك في أسفارها، وقعد الصعاليك في قضاء وإطارها مع احتمالها للأثقال، وصبرها على طول الأبغال والإناث منها أحمد أثرا، ولذلك يقال فيه نظما.
عليك بالبغلة دون البغل ... وإنها جامعة للشمل
مركب قاض وغمام عدل ... وعالم وسيد كهل
يصلح في الوحل وغير الوحل
وقال آخر:
عزمت على ذم البعير موفقا ... وإن ليس في المركب أجمع من بغل
وليس له بذخ الخيول وكبرها ... ولا ذلة العير الضعيف عن الرحل
وفي البغل من كل الأمور موافق ... ومركب قاض أو شيوخ ذوي الفضل
وساير عبد الحميد الكاتب، مروان بن الجعدي على بغلة، فقالت له: طالت صحبة هذه الدابة لك فقال من بركة الدابة طول صحبتها، فقال: صفها فقال: همتها أمامها وسوطها أمامها، وما ضربت قط إلا ظلما.
[الوصف والتشبيه]
من رسالة لبعض الكتاب: قد اخترت لسيدي بغلة وثيقة الخلق لطيفة الخرط رشيقة القد موصوفة اليد ميمونة الطير مشرفة العنق كريمة النجار حمدة الآثار.
إن أدبرت قلت لا قبل لها ... وأن أقبلت ما لها كفل
لم يطر العسيب بقوائهما، ولم يعلق الذم محاسنها قد جمعت إلى حسن القميص سلامة الفصوص، فسميت قيد الاوابر، وقرة عين المشاهد تزري في انظلاقها بالبروق في ائتلافها.
من رسالة الوزير أبي القاسم علي بن الحسين المعري يصف بغلة: بغلة تحل من فضائل البغال وسطا، وتنال من محاسن الدواب إنها قد استكملت ما يراد للسروجيات من خفة الأحلام، وما يراد لحاملات الثقل من وثاقة الأجسام أبعد جريانا من السيل، وأجود إحضارا من الخيل وأوطأ مهادا من الليل، وقد جمع فيها من المحاسن ما تعم فضيلتها، بل تبد قبيلتها وتشمل أسرتها بل تعمر عمارتها حتى لا تقيم للخيل وزنا، إلا بقدر ما تنل به أرحامها، ولا تعتد للضيف ولا أعوج إلا ما تراعي به واصرها، وإلا ما يربها من عقوق الخؤولة، والأمومة ونزها على اطراح حقوق الأبوة والعمومة فيه أحق من القول فيها:
جاءت به معتجرا ببرده ... سفواء تروي بنسج وحده
تقدح قيس كلها من زند