مثل السماني إذا ما ظل منتحباً ... لقتله طاوياً منه على حمد
ذي منسر كنواة القسب منعوج ... عن مثل سم المعي للطعم مزدرد
وهامة فخمة سكاء مدبجة ... تبدو كطبخانة أوفت على جرد
أظفر كمسلاة. . . معطفة ... أشد من لدغ حر النار في الجسد
عليه من برده وشي له كفف ... مثل الجوق التي شدت من الزرد
مثل الدوابر من ترجيع واشمة ... أو كالسهاد يرى في أجفان ذي سهد
أو كالكتاب الذي أنضاه كاتبه ... وناط منعرجاً منه بمطرد
إذا تقنص عصفوراً فأورده ... حوض المنية عن أيدٍ وعن جلدٍ
رأيت مثلين ذا بالقهر يغلب ذا ... محكماً فيه حكم الليث في النفد
فيستدل بما أبداه من عجب ... على مقادير صنع الواحد الأحد
[فصل]
وأما كلاب الطير وهي وإن كانت سباعاً، لكنها ليست أنفسها كراماً لأكلها الجيف، وهي النسر والرخمة، والحدأة، والغراب، ومجموعها عند ابن أبي الأشعث ناري أرضي ومزاجه حار بحسب زيادة كمية النار فيه على كمية الأرض، وهو من اليبوسة في الغاية القصوى، يأوي الجبال والأجراف، وما كان من الأرض شامخاً، ويأكل اللحم، والجيف، ولا يفترس، ولنجعل ما نبدأ بذكر من هذا النوع النسر.
[القول في طبائع النسر]
وهو ذو منسر، وليس بذي مخلب، وإنما له أظفار حداد كالمخلب لأن المخلب ما قنص به صاحبه، كقبض الصقر والبازي، وهو يسفد كما يسفد الديك، وزعم الفاحصون عن أخلاق الحيوان وطبائعها: إن الأنثى من هذا الصنف تبيض من نظر الذكر إليها فتجري حركة الشهوة للسفاد منها مجرى السفاد فتلتذ بذلك وهي لا تحضن، وإنما تبيض في الأماكن العالية الصاحبة للشمس فيقوم حر الشمس للبيض مقام الحضن، وينسب النسر إلى قلة المعرفة والكيس والفطنة، ويوصف بحدة البصر حتى أنه يرى الجيفة عن أربعمائة فرسخ، وكذلك حاسة الشم إلا أنه إذا شم الطيب مات لوقته، وهو أشد الطير طيراناً، وأقواها جناحاً، حتى أنه يطير ما بين المشرق والمغرب في يوم واحد وهو إذا وقع على جيفة) وعليها عقبان تأخرت بأسرها ولم تأكل ما دام يأكل منها، وتخافه كل الجوارح، ولا يقوم له شيء منها وهو شره، نهم، رغيب فإذا سقط على الجيفة (وتملى منها لم يستطع الطيران حتى يثب وثبات يرفع بها طبقة طبقة في الهواء حتى يدخل تحت الريح، وكل من أصابه بعد امتلائه ضربه إن شاء بعصى، وإن شاء بغيرها حتى ربما صاده الضعيف من الناس، وفي طبعه أن الأنثى تخاف على بيضها، وفراخها من الخفاش فتفترش في وكرها ورق الدلب لينفر منه، وهو أشد الطير حزناً إذا فقد الأنثى وإذا فقدت الأنثى الذكر امتنعت عن الطعم والحركة أياماً، ولزمت الوكر، وربما قتلها الحزن عليها، وهو أطول الطير عمراً، حتى يقال أنه يعمر ألف سنة، ولم أجد لأحد الشعراء وصفاً فيه فأثبته، لأنه لا يملك، وإن وقع من ذلك شيء فإنما يقع في وصف الجيوش، لأن من عاداتها أن تتبعها طمعاً في مصارع القتلى.
[القول في طبائع الرخم]
ويسميه العرب الأنوق، ويقال أنه اسم للذكر، وهو يشارك العقاب، والنسر في ارتفاعه حين الطيران، وصفته أنه طائر ضخم أبيض، وربما خالط لونه لون الإنغماس، وهو النقط الصغار، وهو زهم سهل يأكل الجيف، ولا يصطاد، وفي طبعه أنه لا يرضى من الجبال إلا بالوحشي منها، ومن الأماكن إلا بأسحقها وأبعدها عن مواضع أعدائه، ثم من هذه الجبال في رؤوس هضابها، ثم من الهضاب في صدوع صخورها، ولذلك تضرب العرب المثل بامتناع بيضها فيقولون: أعز من بيض الأنوق، ويقال أن الأنثى منه لا تمكن من نفسها غير ذكرها، وإنها لا تبيض من سفاد بل بالمذاقة، كما يقال في الغربان، وهي تبيض بيضة واحدة وربما أتأمت في النادر، ومن عاداتها أنها تحضن بيضها وتحمي فرخها، وتحبه، وتقول العرب في أكاذيبها، قيل للرخمة: ما أحمقك؟ قالت وما حمقي؟ وأنا أقطع في أول القواطع، وأرجع في أول الرواجع، ولا أطير في التحسير ولا أغتر بالشكير ولا أسقط على الحقير، ولم أجد لأحد من الشعراء في وصفها شيئاً إذ الحال فيها كالحال في النسر.
القول في طبائع الحدأة