وهو سبع جبان مستضعف خبث، ذو مكر، وخديعة، ولكنه لفرط الخبث والحيلة، يجري مع كبار السباع، ومن حيلته في طلب الرزق أنه يتماوت وينفخ بطنه ويرفع قوائمه، حتى يظن أنه قد مات، فإذا قرب منه حيوان وثب عليه وصاده وهذه الحيلة، لا تتم على كلب الصيد، ومنها أنه إذا دخل على برج حمام، وكان شبعاناً قتلها، ورمى بها لعلمه أن لا ينتفع بها فترمى حتى إذا جاع عاد إليها فأكلها وهو من الحيوان الذي سِلاحه سُلاحه وهو أنتن من سلاح الحباري فإذا تعرض للقنفذ ولقيه شوكه، واستدار كالكرة سلح عليه فانسدخ، فعندها يقبض على مراق بطنه، ومن طريف ما حكي عنه أن البراغيث إذا كثرت في فروته تناول صوفه بفمه ثم يدخل النهر قليلاً قليلا، والبراغيث تصعد فراراً من الماء حتى يجتمع في الصوفة التي في فمه فيلقها ويهرب، والذئب يطلب أولاد الثعلب فإذا ولد له وضع ورق العنصل على باب وجاره ليهرب الذئب، ويقال إنما يفعل ذلك إذا أحس بالصيادين، ويقال: قضيب الثعلب في خلقة الأنبوب أحد شطريه عظم في صورة المثقب، والآخر عصب ولحم وربما سفد الكلبة فولدت كلباً في خلقة السلوقي الذي لا يقدر على مثله، وفرو الثعلب أفضل الأوبار منه الأسود والأبيض الخلنجي، وادونه الأعرابي لقلة وبره وما كان منه ببلاد الترك سمي البرطاسي لكثافة وبره، وحسن لونه، وهذا قول عبد اللطيف في كتاب الحيوان الذي صنفه.
[الوصف والتشبيه]
قال بعض الأعراب يصفه:
جاء بصيد عجب من العجب ... أزيرق العينين طوال الذنب
تبرق عيناه إلى ضوء الشهب
وقال الببغاء:
وأعفر المسك تلقاه فتحسبه ... من ادكن الخز مخبوء بخيفان
كأن أذنيه في حسن ... انتصابهما ... إذا هما انتصبا للس زجان
يسري ويتبعه من خلفه ذنب ... كأنه حين يبدو ثعلب ثان
فلا يشك الذي بالبعد يبصره ... فردا بأنهما في الخلق اثنان
[القول في طبائع النمس]
وهذا الحيوان تسميه العرب الظربان، قال أبو عبيد في كتابه الغريب المصنف والظرباء على وزن فعلاء، وهو على قدر الهر، وفي قدر الكلب القلطي، وهو منتن الريح ظاهراً وباطناً، وقال الواصف له: لونه إلى الشبهة، طويل الخطم جداً ليس له إذنان إلا صماخان، قصير اليدين، وفيهما براثن حداد، طويل الذنب ليس لظهره فقار، ولا فيه مفصل، بل عظم واحد من مفصل الرأس إلى مفصل الذنب، وربما ظفر الناس به فيضربونه بالسيوف فلا تعمل فيه حتى تصيب طرف أنفه لأن جلده مثل قد في القوة والصلابة، ولفسوه ريح كريهة، حتى أنه يصيب الثوب فلا يذهب ريحه منه حتى يبلى، وهو يفسو في الهجمة من الإبل فتتفرق ولا تجتمع لراعيها إلا بعد جهد، والعرب تضرب به المثل في تفريق الجماعة فيقولون: فسا بينهم الظربان وهو لأهل مصر كالقنافذ لأهل سجستان في قتله الثعابين إذ لولاه لأكلتهم الثعابين، والنواطير عندهم يتخذونها إذا خافوا منها، ومن عاداته أنه إذا رأى الثعبان دنا منه ووثب عليه فإذا أخذه تضاءل في الطول حتى يبقى شبيهاً بقطعة حبل فينطوي الثعبان عليه، فإذا انطوى نفخ بطنه ثم زفر زفرةً، فينقطع الثعبان قطعاً، قال الجاحظ: وفسو الظربان أحد سلحته، لأنه يدخل على الضب في حجره، وفيه حسوله وبيضه، ويأتي أضيق موضع في الحجر فيسده ويحول دبره، فلا يزال يفسو ثلاث فسوات حتى يخر الضب سكراناً مغشياً عليه فيأكله، ثم يقيم في حجره حتى يأتي على آخر حسولة، وله جرأة على تسليق الحيطان في طلب الطير، فإن هو سقط نفخ بطنه حتى يمتلئ جلده ريحاً فلا يضره السقوط
[فصل]
ويشبه هذا الحيوان السمور، وقد ذهب بعض الناس إلى أنه هو وإنما البقعة التي هو فيها فعلت في تغير وبره، وحكى عبد اللطيف البغدادي في كتاب الحيوان عن ابن ماسة: وإن السمور حيوان ليس في الحيوان أجرأ منه على الإنسان وهو سريع الحضر، لا يؤخذ إلا بالحيل في صيده بأن تدفن جيفة فيغتال بها، ولحمه حلو والترك يأكلونه، وجلده لا يدبغ كسائر الحيوان ويقرب منه حيوان يسمى الدلق، وهو أيضاً يفترس ويكرع الدم، وذكر ابن فارس في كتاب المجمل في اللغة أنه النمس أيضاً.