للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو البيدق، ولا يصيد غير العصافير وقلما يندر، من نوعه ما يحصل به غنى، وبعض من أهل هذا الشأن يجعل البيدق والعفصي أسمين موضوعين على مسمى واحد، ويزعم أن أهل مصر يسمون البيدق والعفصي، فعلى هذا يكون البازي أربعة أصناف لا غير) إن شاء الله (.

[الوصف والتشبيه]

قال أبو الفتح كشاجم يصفه من طردية:

حسبي من البزاة والزرازق ... ببيدق يصيد الباشق

مؤدب مدرب. . . الخلائق ... أصيد من معشوقة لعاشق

يسبق في السرعة كل سابق ... ليس له في صيده من عائق

ربيته وكنت غير الواثق ... إن الفرازين من البيادق

[القول في طبائع الصقر]

وهو النوع الثالث من الجوارح، وينقسم إلى ثلاثة أقسام، صقر وكونج ويؤيؤ والعرب تسمي كل طائر يصيد: صقراً، ما خلا النسر والعقاب، وتسميه الأكدر والأجدل، وهو من الجوارح بمنزلة البغال من الدواب، لأنه اصبر على الشدة، وأحمل لغليظ الغذاء، وأحسن إلفاً، وأشد إقداماً على حيلة الطير من الكراكين والحبارح، ومزاجه أبرد من سائر ما تقدم ذكره من الجوارح، وأرطب، وذلك معروف في ركوده وقلة حركته، وعدم التفاف ريشه، وبهذا السبب يضرى على الغزال والأرانب ولا يضرى على الطير لأنها تفوقه، وفعله في صيده الانقضاض، والصدم وهو غير صاف بجناحيه، ولا خافق به، ومتى خفق بجناحه كانت حركته بطيئة بخلاف البازي، ويقول أصحاب الكلام في البيزرة أنه أهدأ نفساً من البازي وأسرع أنساً بالناس، وأكثرها رضاً وقناعة، وهو يغتذي بلحوم ذوات الأربع ولبرد مزاجه لا يقرب من المياه، ويعافها، ولو لم يجدها الدهر لما أرادها، ومن أجل ذلك يوصف بالنجر ونتن الفم، وفي طبعه أنه لا يركب الشجر، ولا شوامخ الجبال، ولا يأوي إلا إلى المقابر، والكهوف، وصدوع الجبال، وفيه جبن، ونفسه دون شدته، ولذلك يضرب الغزال والأرانب ويهرب منه، ولا يكاد يعلق بفرسته فإذا فارقها عاد إليها منقضاً فيضربها، ويرقى هارباً، وكل ما تقدم ذكره من الجوارح ينقى بالماء ويغتسل، وهو ينقى بالتمعك في الرمل والتراب.

وصفاته المحمودة: أن يكون أحمر اللون عظيم الهامة، دامع العين، تام المنسر طويل العنق، والجناحين، رحب الصدر، ممتلئ الزور، عريض الوسط جليل الفخذين قصير الساقين والذنب، قريب القفدة من الفقار سبط الكف غليظ الأصابع عظيمهما فيروزجها، أسود اللسان، وقال بعض ظرفاء الشعراء يصف المحمود منها في مزدوجة طردية في قوله

إذا رأيت الصقر بين الصقرين ... له سواد سائل تحت العين

منهرت الشدق عظيم الحرفين ... ململم الهامة ضخم الكفين

كأنما الجؤجؤ مثل الفهرين ... فأبتعه يا صاح بنقد أو دين

[فصل]

أول من صاد به وضراه الحارث بن معاوية بن ثور بن كنده فإنه وقف يوماً على صياد وقد نصب شبكة للعصافير، فانقض أكدر على عصفور منها قد علق فجعل يأكله، والحارث يعجب، فأمر فأتى به، وقد اندق جناحاه فرمى به في كسر بيت ووكل به من يطعمه، فدربه حتى صار إذا أتاه اللحم ودعاه أجاب ثم صار يطعمه على اليد ثم صار لأنسه به فبينما هو حامله يوماً إذ رأى حمامة فطار عن يده إليها فأخذها وأكلها، فأمر الحارث باتخاذها والتصيد بها فبينا هو يوماً يسير إذ لاحت أرنب فطار الصقر إليها، وأخذها فلما رآه تعاقب بين الطيور والأرانب، ازداد الحارث به عجباً، وفيه محبة واغتباطاً واتخذته العرب من بعده للصيد

[الوصف والتشبيه]

قال الناشئ يصفه من طردية:

يا رب صقر يفترس الصقورا ... يكسر العقبان والنسورا

يجتاب برداً فاخراً مطروراً ... مشمراً عن ساقه محسورا

يضاعف الوشي بها.. التنميرا ... معرجاً فيه ومستديراً

كما نظم الكاتب السطورا ... كأن ساقيه إذا استثيرا

ساقا ظليم أحكما تضبيراً ... ذي هامة يرى لها تدويرا

كما ادرت جندلاً نفيرا ... تسمع من داخلها صفيرا

يحكي من البراعة الزميرا ... ترى الأوز منه مستجيرا

يناكر الضحضاح والغديرا

وقال أبو الفتح كشاجم:

غدونا وطرف الليل وسنان غائر ... وقد نزل الإصباح والليل سائر

بأجدل من حمر الصقور. . . مؤدب ... وأكرم ما قربت منها الأحامر

جريء على قتل الظباء وأنني ... ليعجبني أن يكسر الوحش طائر

<<  <   >  >>