وهذا النوع صنفان نبطي وهو ما يتخذ في القرى والبيوت وهندي وهو عظيم يتخذ لحسن شكله ونبله، ولنبدأً بذكر البيضة التي يخرج منها الفروج، وإنما ذكرنا البيضة في هذا الموضع دون ما عداه من المواضع التي مضت في ذكر كثير من الطير لأن الناس كثيراً ما يستعملونه في الأغذية وغيرها، مما تمس الحاجة إليه لكثرته، وإن كان أحد البيض الثلاثة المأكولة وهي بيض الحمام، وبيض البط، وبيض الدجاج، وهذا النوع أكثرها وجوداً، ومجموع البيض إما من سفاد، وإما من ريح، والبيض الذي يتولد من الريح أخف وأصغر من الذي يتولد من سفاد، وبيض الريح يكون من الدجاج والقبح، والحمام، والأوز، والطاووس، وسمي ببيض الريح لأنه من غير سفاد، بل يتولد من الريح الذي تهب من تلقاء الذكر فيواجه الأنثى، وبيض الريح لا يتم منه خلق وما كان من البيض مستطيلاً محدد الأطراف فهو يخرج من الإناث، وما كان مستديراً عريض الأطراف فهو يخرج الذكور، وربما رمي البيض، فخرج الفرخ من ذاته إذا كان موضوعاً في أرض دفيئة، مثل ما يفعل أهل مصر حيث يضعون البيض داخل الزبل فيخرج منه الفراخ ولأهل مصر عمل ظريف، وتدبير لطيف يقوم لهم مقام الحضن، وهو أنهم يبنون بيوتاً لطافاً مستوية في التربيع تواري معدة الرجل، ويشققوها، ويجعلون في كل بيت منها مجرى في عرض أربع أصابع ينقونه بطين رقيق جداً، ويضعون فيه زبلاً مدقوقاً منخولاً ويضعون فيه ناراً تسري فيه طول نهاره، وذلك بعد أن يضعوا في كل بيت نحواً من ثلثمائة بيضة، ويغلقوا باب البيت، ويلبدونه من داخله، بحيث لا يدخل إليه نفس هواء، وإذا صار الزبل رماداً غيروه بمثله ويتعاهدوه بالتقليب كل يوم عشية، وبكرة عشرين يوماً، وفي آخرها يفقس في التاسع عشر، وتوزن النار حتى تكون في وزن حرارة الطير في الحضن، فإذا زادت الحرارة نقص من النار وإن نقصت زيد من في النار، وكلما تمادى الزمان نقصوا من النار، وفتحوا كواً وإذا لم يكن للبيض من الحرارة ما تزن الحضن فسد ببرد الهواء والحرارة التي دون الحضان تفسده وتعفنه والتي فوقها تشويه وتجمده (وليس كل البيض يكون منه فرخ، كما ليس كل المني يكون منه ولد) والمعتنون بهذا العمل الذي ذكرناه يسمون البيضة التي لا يكون فيها فروج لاح ويعرفون ذلك في اليوم الثالث (، فإن وقفوا البيضة بين البصر وبين الضوء، فإن كان فيها نقطة حمراء ففيها بزرة، وإن لم يروا النقطة رموا بها ونوفها عن البيض، وكل ما يزق فبيضه قليل، وكل ما لا يزق فبيضه كثير، مثل الدجاج والبط والإوز والقبج، لأن الأنثى لا تقوى على أن تزق عددا كثيرا، وأما الدجاج والقبج، فالأنثى تنفرد بالحضان والتربية والدجاجة تجمع البيض بعد السفاد في أحد عشر يوما، وهي تبيض في السنة كلها ما خلا شهرين شتوية، ومنها ما تبيض ستين بيضة ومنها ما تبيض مرتين في اليوم،) وخلق البيض في عشرة أيام، والبيضة تكون عند خروجها لينة القشر، فإذا أصابها الهواء يبست وهي تشتمل على بياض يسمى الزتيق وصفرة تسمى المح وعليهما قشر رقيق يسمى قيضا، ويعلوه قشر صلب، فالبياض رطوبة غليظة لزجة متشابهة الأجواء، وهي بمنزلة المني، والصفرة رطوبة سلسة ناعمة أشبه شيء بدم قد جمد، وهي للفرخ مادة يغتذي بها من سرته، والذي يتكون من الرطوبة البيضاء عين الفرخ ثم دماغه ثم جلد رأسه ثم ينحاز البياض في لفافة واحدة في جلدة الفرخ، وتنحاز الصفرة في غشاء واحد هي سرة الفرخ فيتغذى منها كتغذي الجنين من دم الحيض فبياض البيضة مادة العظام والغظاريف) والأعصاب والربط والوترات والعروق الضوارب (والسواكن والأغشية، وربما وجد في البيضة محان، قال أرسطو: باضت دجاجة فيما مضى ثماني عشرة بيضة لكل بيضة محان ثم حضنت فخرج من كل بيضة فروجان أحدهما أعظم من الآخر، وخلق الفروج إذا مضت عليه ثلاثة أيام، ويعرف الذكر بأن يعلق الفروج برأسه فإن تحرك فذكر وإن سكن، فأنثى وكذلك يعرف من البيض وقد ذكرناه.
[الوصف والتشبيه]
قال أبو الفرج الأصفهاني أبياتا يصف فيها الديك) سنذكرها فيما يأتي إن شاء الله تعالى (جاء منها في وصف البيضة، وتطرف غاية وأبدع نهاية:
فيها بدائع صنعة ولطائف ... الفن بالتقدير والتلفيق
خلطان مائيان ما اختلطا على ... شكل ومختلط المزاج رقيق