ويقال أيضاً: الأسد والذئب مختلفان في الجوع، والصبر عليه لأن الأسد شديد النهم رغيب حريص شره، وهو مع ذلك يحتمل أن يبقى أياماً لا يأكل شيئاً، والذئب وإن كان أقفر منزلاً، وأقل خصباً، وأكثر كمداً وإخفاقاً فلا بد له، من شيء يلقيه في فيه، فإذا لم يجد شيئاً استعان بإدخال النسيم فيقتات، ومن عجيب أمره أن جوفه يذيب العظم المصمت ولا يذيب نوى التمر. ويقول من سر طباع الحيوان أنه لا يوجد الالتحام عند السفاد إلا في الذئب والكلب، ومتى التحم الذئب والذئبة وهجم عليهما هاجم قتلهما كيف شاء، إلا أنهما لا يكادان يوجدان كذلك أبداً لأن الذئب إذا أراد السفاد توخى موضعاً لا يطأه أنيس خوفاً على نفسه، وهو يفسد مضطجعاً على الأرض، وذكره عظم، وهو موصوف بالانفراد والوحدة وشدة التوحش وذلك يدل على غلظ طباعه، وحدتها وميلها إلى الخلط السوادي ويوصف بالقزل فإذا حث المشي فكأنه يتوجى، وإذا أراد العدو فإنما هو النقز والوثب ورفع القوائم، وفي طبعه أنه إذا خفي عليه موضع الغنم عوى ليؤذنهم بمكانه ويخبرهم بقربه، فإذا حضرت الكلاب إلى الناحية التي هو فيها زاغ عنها إلى ناحية من الغنم ليس فيها كلب يحرسها، فاختطف، والذي يخاف من الذئب السلة والخطفة والاستلاب والاختلاس، وهو لا يعود إلى فريسته بعد أن شبع منها آخر الدهر، وهو ينام بإحدى مقلتيه والأخرى يقظاء حتى تكتفي العين النائمة من النوم، فإذا اكتفت فتحها ونام بالأخرى ليحترس باليقظاء ويستريح بالنائمة، فهو أبداً يراوح بين عينيه وهو أكثر تضوراً وعواء إذا كان مرسلاً، وإذا أخذ وضرب بالعصى والسيوف حتى يقطه قطعاً أو تهشم عظامه كلها لم تسمع له صوت إلى أن يموت، وفيه من قوة حاسة الشم ما أنه يشم ويستروح من فرسخ، وأكثر ما يعرض للغنم من الصبح وإنما يتوقع فترة الكلب، ونومه،) وكلامه لأنه يظل طول ليلته حارساً متيقظاً وميز أصحاب الكلام في طبائع الحيوان بينه وبين الكلب فقالوا إن الذئب وحشي وصاحب قفار والكلب الوف، وصاحب ديار، والذئب خئون غدار، والكلب وفي مناصح، وفي تركيب الذئب، إن الذئبين متى افترسا شاة قسماها نصفين بالسوية، ومن عجيب أمره أنه إذا وطئ ورق العنصل مات من ساعته، وعداوته للغنم بحيث أنه متى جمع بين وتر عمل من أمعاء الغنم وضرب به لم يسمع لها صوت، وإذا جمع مع جلد ذئب تمعط جلد الشاة والذئب إذا كده الجوع عوى فتجتمع له الذئاب، ويقف بعضها إلى بعض فمن ولي منها وثب الباقون فأكلوه، وقال بعض الشعراء يعاتب صديقاً له أعان عليه في مصيبة نزلت به، من أبيات:
وكنت كذئب السوء لما رأى دماً ... بصاحبه أحال على الدم
وإذا عرض للإنسان وخان العجز عنه عوى عواء استعانة، فتسمعه الذئاب فتقبل إلى الإنسان إقبالاً واحداً، وهم سواء في عداوته، والحرص عليه وعلى أكله، فأن أدمى الإنسان منها واحداً وثب الباقون على المدمي فمزقوه، وتركوا الإنسان، وإن كان دمدمي، وإذا طمع فيه الإنسان خافه، وإذا خافه الإنسان طمع فيه، وإذا سبقت رؤية الإنسان رؤية الذئب لم يقدر على الكلام زماناً، وإن سبقت رؤية الذئب رؤية الإنسان اعتراه مثل ذلك حتى أنه ربما ضرب بلحييه الأرض من شدة الاصطكاك، وهو لا يواجه الإنسان، وإنما يأتيه من ورائه، فإذا وجد الإنسان ما يسند ظهره إليه لم يقدر الذئب عليه، وهو يقطع العظم بلسانه، ويبريه بري السيف، ولا يسمع له صوت، ويقال إن أسنانه ممطولة في أجزاء فكيه عظماً واحداً، وكذلك الضبع.
فصل وتقول الأعراب: إن الذئب يسفد الكلبة فيسمى الولد الذي يخرج بينهما الديسم وتقول أيضاً: أن الدببة تحمل من الضباع ولذا يسمونه السمع وقد اجتمع فيه شدة الضبع وقوتها وجرأة الذئب وخفته، ويزعمون أنه كالحية لا يمرض ولا يموت حتف أنفه وأنه أسرع من الريح والطير عدواً والله أعلم.
وقال بعض الأعراب يصف السمع:
أنعت سمعاً قفزة مجرساً ... فجالسا إذا اشتهى لحم أكل
أبوه سرحان وذيخ جده ... فمن كلا لونيهما فيه مثل
وفيه من لون الضباع غرة ... وفيه من لون السراحين طحل
[الوصف والتشبيه]
قد أكثر الناس في وصف الذئب ونعته، والذي أتى في ذلك على الأمر الأقصى واستوفى ذكر خلائقه، واستقصى ابن عنقا الغزاري وذكر جواداً شبهه بالذئب فقال: