وهو صنفان قنفذ ويكون بأرض مصر في قدر الفأر، ودلدل ويكون بأرض الشم والعراق في قدر الكلب القلطي، والفرق بينهما كالفرق بين الفأر والجرذ، والذر والنمل ويقول الباحثون عن طبائع الحيوان أنه يسفد قائما وظهر الأنثى لاصق بظهر الذكر، والأنثى تبيض خمس بيضات، وليس هو بيض بالحقيقة بل هو على صورة البيض، تشبه اللحم، وفي طبعه أنه يجعل في جحره بابين أحدهما من جهة الجنوب، والآخر الشمال، فإذا هب الريح الجنوب سد باب جهتها، وفتح باب جهة الشمال، وإذا هبت الشمال سد باب جهتها وفتح باب جهة الجنوب، وبصره في الليل أكثر من النهار، ويستأنس في البيوت ويختفي أياما حتى يؤنس منه ويعود يظهر) ولا يدري أين كان (وقد الهم أنه متى جاع صعد الكرمة منكسا وقطع العناقيد ورمى بها ثم ينزل فيأكل منها ما أطاق، وإن كان له فراخ تمرغ على الباقي فيشتك في شوكه بعد تفريطه من عوده، وذهب به إلى فراخه، وهو لا يظهر إلا ليلا، ولذلك يشبه بالنمام والماحل وقال عبدة بن الطيب وذكر نمامين:
قوم إذا دمس الظلام عليهم ... حدجوا قنافذ بالنميمة تمرغ
وهو مولع بأكل الأفاعي، ولا يبالي أي موضع قبض من الأفعى إن قبض على رأسها أو على قفاها فذلك من أسهل الوجوه، وإن قبض على وسطها أو على ذنبها جذب ما قبض عليه واستدار وتجمع ونفخ سائر بدنه فمتى فتحت فاها لتعض شيئا منه تلقاها شوكه الذي في جسده فهي تهرب منه، وطلبه لها، وحرصه عليها على حسب هربها منها وضعفها عنه، وإذا صادفت الأفعى مراق بطنه حتى لدغته أكل الصعتر البري فيبرأ.
والدلدل إذا رأى ما يكرهه انتفض فتخرج منه شوك كالمداري تجرح ما تصيبه، وزعم أصحاب الكلام في الطبائع أن شوكه شعر وإنما لما غلط البخار واشتد غلطه، وغلب عليه اليبس عند صعوده من السام صار شوكا.
[الوصف والتشبيه]
قال الأمير شمس الدين أبو المعالي قابوس بن وشمكير من رسالة كتبها إلى بعض أصدقائه وقد أهدى له دلدلا: قد أتحفتك يا سيدي بعلق نفيس وتحفة رئيس، يعجب المتأمل من أحواله ويحار الناعت في أوصافه وأعماله، ويتلبد المعتبر في آياته، ويكل الناظر في معجزاته، فما يدري ببديهة النظر والفؤاد، أمن الحيوان هو الجماد؟ حتى إذا أمعن متدبره النظر في تعظمه والفحص عن اكمل شروطه علم أنه كمي، سلاحه في حضنه، ورام سهامه في ضمنه، ومقاتل رماحه على ظهره، ومخاتل سره خلاف جهره، يلقاك بأخشن من حد السيف ويستتر بألين من دبر الخيف متى جمع أطرافه وضم إليه أصوافه حسبته رابية ناتية، أو قلعة بادية وهو أمضى من الأجل، وأرجى من بني ثعل إن رأته الأراقم رأت حتف أنفها، أو عاينته الاساود أيقنت بفناء جنسها، صعلوك ليل لا يحجم عن دامسه، وفارس ظلام لا يخاف من حنادسه، فيه من الضب مثل، ومن الفأر شكل، ومن الورل نسب، ومن الدلدل سبب، ومن أوابده أنه يسود إذا هرم وشاب، ويصير كأكبر ما يكون من الكلاب.
وقال أبو محمد اليزيدي يذكر قنفذا رآه فأطعمه وسقاه:
وطارق ليل جاءنا بعد هجعة ... من الليل إلا ما تحدث سامر
قريناه صفو الزاد حين رأيته ... وقد جاء خفاق الحسى وهو سادر
جميل المحيا في الرضا فإذا أتى ... حمته من الضيم الرماح الشواجر
ولست تراه واضعا لسلاحه ... مدى الدهر موتورا ولا هو واتر
وقال آخر من أبيات يرثيه فيها ويصفه:
عجبت له من شبهم متحصن ... نبيل من السرد المضاعف يمرق
وأنى اهتدى سهم المنية نحوه ... وفي كل عضو منه سهم مفوق
ولو كان كف الدهر يستخشن الردى ... لكان بكف الدهر لا يتعلق
وقال أبو بكر الخوارزمي يصفه:
ومدجج وسلاحه من نفسه ... شاكي الدوابر أعزل الاقبال
يمسي ويصبح لم يفارق بيته ... ولقد سرى عددا من الأميال
وتراه يكمن بعضه في بعضه ... فتطيشعنه أسهم الأهوال
عيناه مثل النقطتين وخطمه ... يحكي ثدي رضاعة الأطفال
وكأن أقلاما غرزن بظهره ... مس المداد رؤوسها ببلال
تتهارب الحيات حين يرينه ... هرب اللصوص رأت سواد الوالي
فكأنه الخنزير إلا جلده ... وصياحه وتقارب الأوصال
؟ القول في طبائع ابن عرس