إنسان من أب وأم، هو الذي خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب، يعني من صلب، وترائب الأم، ودافق بمعنى مدفوق، وقال الله تعالى:) يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى (يعني آدم وحواء ولهذا قال أرباب العقول الصافية والأذهان الوافية: إن آثار التركيب في البشر أكثر مما هي في الملائكة لأنهم خلقوا من شيء واحد وهو النور والبشر خلقوا من جوهرين الروم والبدن، وظهروا من اثنين الأب والأم وركبوا من شيئين المني والدم، وغذوا بغذائين الطعام والشراب فهم أكمل وأتم وهذا الضرب تم بعد أن تم عليه ستة أطوار أيضا، وهي النطفة ثم العلقة، ثم المضغة، ثم العظام، ثم كسوة العظام لحما، ثم الإنشاء، وهو نفخ الروح فيه قال الله تعالى:) ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضعة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر (أي: حيا ناطقا، أما قوله) من سلالة من طين (فذهب بعض المفسرين للكتاب العزيز إلى أن هذا القول إشارة إلى آدم عليه السلام، ثم ذكر نسله ونبه على أنهم مخلوقون من نطفة وذهب بعض الحذاق: منهم إلى مراده بالطين الأغذية التي استحالت دما بعد أكلها لأن منبتها فيها ثم استحال الدم منبتا لحركة الوقاع والجماع وبهذا يكون مبدأ الإنسان من النطفة، ويكون في مقابلة التراب لكونها مواتا وهي إذا وقعت في الرحم امتزجت بمني المرأة فصار شيئا واحدا، ثم يكون بعد أيام قلائل بطبخ الرحم له علقة وهي دم قدمه جفاف ما، وهو في مقابلة الحمأ المسنون فما فيه من الاختلاط والامتزاج ولا تزال حرارة تدأب في التخفيف حتى تصير العلقة مضغة بعد برهة، وهي في مقابلة الطين اللازب الذي يمكن معه قبول الصورة ثم يكون عظاما بعد حين وهي مقابلة الطين الصلصال، لاستحكام الجفاف، واليبس عليها بحيث أنها إذا قرعت صلت، فإذا صارت عظاما كسيت لحما فاشتد به البدن واعتدل واشتد ما بين العظام من الخلل، وهذه في مقابلة، فإذا سويته، وقوله ثن أنشأناه خلقا آخر، في مقابلة ونفخت فيه من روحي، ومقدار كل طور على ما ورد في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أربعون يوما إلا أنه لم يذكر غير ثلاثة أطوار وهي النطفة ثم العلقة ثم المضغة، فذلك مائة وعشرون يوما فإنه قال عليه السلام:) إن أحدكم يجمع مثل ذلك ثم يرسل الله عز وجل إليه الملك فينفخ الروح، ويؤمر بأربع كلمات، رزقه، وأجله وعمله، وسعيد أم شقي، وفي رواية أن الملك يقول: يا رب ما الرزق؟ ما الأجل؟ ما العمل؟ فيقول الله عز وجل ويكتب الملك (ولهذا السر جعل الشارع عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا لإستبراء الرحم فيها.
[القول في الشيء الموكل بتدبير الإنسان]
قالوا:) الإنسان أشياء كثيرة، فلكثرة ما هو به كثير يعجز عن إدراك ما هو به واحد (، ويكفي أن نعلم أن النفس قوة إلهية واسطة بين الطبيعة المصرفة للاسطقسات والعناصر المتهيئة بين العقل المنير لها، الطالع عليها، السائر فيها، المحيط بها، فكما أن الإنسان ذو طبيعة لآثارها البادية في بدنه، فكذلك هو ذو نفس لآثارها الظاهرة في آرائه وأبحاثه ومطالبه ومآربه، وشكه وكذلك هو ذو عقل لتميزه وتصفحه واختياره وفحصه، واستظهاره، ويقينه وشكه وظنه وفهمه ورويته وبديهيته، فإن قيل: كفت الطبيعة، قلنا: قد كفت في مواضعها التي لها الولاية فيها من النفس كما كفت النفس في الأشياء التي لها عليها الولاية من قبل العقل في الأمور التي له الولاية عليها من قبل الإله وإن كان مجموع هذا كله راجعا إلى الإله فإنه في التفصيل محفوظ الحدود على أربابها وهو كالملك الذي في بلاده وجماعة يصدرون عن رأيه وينتهون إلى أمره ويتوخون في كل ما يعقدونه ويملونه ويبرمونه وينقضونه، ما يرجع إلى وفاته ومراده وكل ذلك منه وله وبه.
[وقالوا الحيوان ينقسم بالقسمة الأولى إلى ثلاثة أقسام]
أحدهما: حي مالك: وهو الذي تدبره نفسه الناطقة، وتدبره الطبيعة بالقوى الطبيعية وهذا هو الإنسان.
والثاني: حي مملوك: وهو الذي تدبره الطبيعة بقواها، ويدبره العقل من خارج، أعني من قبل الإنسان، ولهذا لا يوجد هذا النوع إلا حيث يوجد الإنسان كما يكون الزرع حيث يكون الزارع، وهكذا كالخيل والبغال والحمير والبقر وما أشبه ذلك.