[الوصف والتشبيه]
ومن الأوصاف المهولة قول بعض الأعراب:
وحنش يردي الورى بالحس ... موكل تبرحات النفس
ينفر عن مأواه كل جنس ... ذي هامة مثل سراه الترس
وقامة مثل قضيب الغرس ... وعين فتخاء وناب نمس
أو تسعة مطفورة بجلس ... وجلدة شبيهة بطرس
طليته بالجص أو بالورس ... ثم رقمت فوقه بالنقس
يلين لو أمكن للمجس ... لكنه يقتل قبل اللمس
وقال آخر في ذلك:
أفعى زحوف الليل مطراق البكر ... داهية قد صغرت من الكبر
صل صفا لا ينطوي من القصر ... طويلة الاطراق من غير خفر
كأنما قد ذهبت بها الفكر ... شقت لها العينان طولا في شفر
مهروتة الشدقين حولاء النظر ... تفتر عن عوج حداد كالإبر
جاء بها الطوفان أيام زجر
وقال آخر من أبيات:
فإذا بداهية كأن حفيفها ... بين النمام حفيف ليث خادر
شزا مسخرة الجفون كأنما ... ترنو الينا من قليب غائر
صل يعرفها الزمان فأصبحت ... دون الذراع وفوق شبر الشابر
فإذا رأيت، رأيت خوط أراكة ... وإذا فرعت فرعت قرني قادر
صما لو نفخت ثبيرا نفخة ... لانساح أو لهوى هوي الطائر
جعلت حماما للنفوس وآية ... للسائلين وغيره للناظر
وقال النابغة الجعدي:
أفعى به تسطو اكف الدهر ... على ذوي الكيد وأهل المكر
تري المنايا حيث سار تسري ... عيناه حمراوان ذات طمر
كأنه مكتحل. . . . بجمر ... ذو هامة منحوتة من صخر
وجلدة مسلوخة من نمر ... وخطفة مخلوقة من نسر
وذو فم رحب شديد الفغر ... أنيابه مثل ظفور الصقر
له خطوط عدلت في الظهر ... سود كأن خططت بحبر
أنفاسه في سبرات القر ... يحدث في الحر شديد الوغر
يعدم وجه الأرض حسن الدهر ... كأنها ما بللت. . . بقطر
وقال آخر يصف حية وبالغ في التهويل:
لا ينبت العشب في واد به ... ولا يجاورها وحش ولا شجر
جرداء سافكة الأنياب ذابلة ... ينبو من اليبس عن يافوخها الحجر
لو شرحت بالمدى ما مسها بلل ... ولو تكنفها الحاوون ما قدروا
قد جاهدوها فما قام الرفاة لها ... وخاتلوها فما نالوا ولا ظفروا
يكبر لها الورل العادي إذا نفخت ... جبنا ويهرب عنها الحية الذكر
وقال خلف الأحمر من أبيات:
كأنما لبست بأعلى جسمها ... بردا من الأثواب انهجه البلى
في عينها قبل وفي خيشومها ... فطس وفي أنيابها مثل المدى
وقال أشجع السلمي:
وحنش كحلقة السوار ... غايته شبر من الاشبار
كأنه قضيب ماء جار ... يفتر عن مثل تلظي النار
وقال آخر وأجاد:
أرقم كالدرع فيه وشم ... منمنم الظهر واللبان
يزحف كالسيل من قلاع ... كأن عينيه كوكبان
يهمش ما مس من نبات ... ويجذب النفس بالعنان
كأن ألحاظه فضا ... ليس لخلق به يدان
قال عبد الله بن المعتز:
انعت رقشاء لا يحيى لديغها ... لو قدها السيف لم يعلق به بلل
تلقي، إذا انسلخت في الأرض جلدتها ... كأنه كم درع قده بطل
وقال أبو نصر عبد العزيز بن بنانه وأجاد كل الإجادة:
إذا عرس السارون في بطن دابق ... فسر وتعوذ من شرار الطوائق
ففي الهضبة الحمراء إن كنت ساريا ... اغيبر يأوي في صدوع الشواهق
سالم ركبان الطريق نهاره ... إلى الليل محنو لاحدى البوائق
يقصر عن يافوخه حين تنطوي ... حقيبة مملوء من السم زاهق
كأن بقايا ما سدى من قميصه ... على متنه اقواف برد سبارق
يبادره الحارون إذ يبصروا به ... تسارق عيناه لحظ المشارق
ودون الذي يرجون من سقطاته ... حفيظه مسنون اللحاظ مراحق
يطول إذا ما طلته الكيد سادر ... جرى إذا ما بدهته في الحقائق
ولم أقف فيما طالعت على أظرف ولا أطرب، ولا أعجب، ولا أغرب من قول أبي إسحاق إبراهيم بن خفاجة الأندلسي يصف حبابا رآه في روض معشب شعرا:
مثل الحباب بمنحاه ذؤابة ... خفاقة حيث الثريا أكفال
وانساب ثان معطفيه كأنه ... هيمان نشوان هناك مذال