فطس الأنوف مغاوير مشمرة ... خوص العيون من الإمعان في التاء
مخضرات كزرق الصقليين بدوا ... في كل مفسوحة بالسحر رقشاء
من مقرب عشرات ذات زمزمة ... وعابد مبتغ منها وعذراء
تغدو فترجع ليلا عن مشاربها ... إلى ملوك ذوي عز واحباء
فهن مؤتمرات للرئيس معا ... تكتن في خدر فسيح وأرجاء
قال أبو إسحاق إبراهيم بن خفاجة الأندلسي يصف شهدة بعث بها إلى بعض أصدقائه حيث يقول:
لله ريقة نحل ... حتى أرتوي من شفاء
رعى الربى والشعابا ... يمج منه رضابا
إن شئت كان طعاما ... أو شئت كان شرابا
وكتب مع هذه الأبيات نثرا جاء منه: وكفى النحلة فضيلة وجلالة صفات أو أوحي إليها، وأثنى الكتاب عليها بمساقط الانداء وراء البيداء فتقع هناك على كل نوارة عبقة، وبهارة أنقة، ثم تصدر عنها بما تطبعه شمعه، وتبدعه صنعه وترتشف منهما ما تحفظه رضابا وتلفظه شرابا، وتتجافى بعد منه عن أكرم مجتنى في أحكم مبتنى.
[القول في طبائع الزنبور]
ويسمى الدبر، قال أصحاب اللغة النحلة تسمى زنبورا، وإذا أطلق هذا الاسم فأما يراد به الدبر وهو جنسان جبلي وسهلي، فالجبلي يأوي الجبال والأماكن الحسنة، يعشعش على الشجر، ولونه إلى السواد، وفيه العمال والأمهات، وهي القواد، وبدء خلقه تتخذ دودا، فإذا خلق كسب الدبر العمال طعمها، وأدخلته عليها بيوتها، وهي تتخذ بيوتا من تراب وقماه كبيوت النحل، ويجعل لها أربعة أبواب لمهاب الرياح وإذا تولدت أمهات أخر قتل الدبر العمال ما كان منها في العام الأول ويتميز العمال من الأمهات بصغر الجثة، وله حمة يلسع بها وغذاء الدبر من الحيوان ومن الأثمار والأزهار، وصموغها، ومن العسل والسكر، والأشياء الحلوة إذا وجدها ومتى أخذ من الذكور أحد وشد جناحاه بخيط وترك يضطرب حوله الإناث وهي الأمهات، أما السهلي، ففيه العمال والأمهات أيضاً، ولونه أحمر، وهو يتخذ عشه تحت الأرض ويخرج التراب منه كما يفعل مختلف النمل، وهو يختفي في الشتاء، ولا يظهر وأكثره يهلك، ومن الدبر السهلي صنف مختلف اللون مستطيل الجسد، في طبعه الحرص والشره، يطلب المطابخ ويأكل ما فيها من اللحوم، ويطير مفردا، ويسكن بطن الأرض، وهذا الحيوان بأسره مقسوم في وسطه، وهو لذلك لا يتنفس من جوفه البتة، ومتى غمس في الدهن سكنت حركاته، وإنما ذلك يضيق منافذه والله أعلم بالصواب
[الوصف والتشبيه]
من الغريب البديع في وصفه ما يحكى أن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت دخل على أبيه في حال الطفولية، فقال: ما أبكاك؟ قال: لسعني طائر كأنه ملتف في بردي حبرة، فقال له: قلت والله الاشعر يا بني.
وقال السلامي يصفه وأجاد:
ولابس لون واحد وهو طائر ... ملونة أبراده وهو واقع
أغر بردي طيه فكأنما ... وسود المنايا في حشاه ودائع
إذا حك أعلا رأسه فكأنما ... بسالفتيه من يديه جوامع
يخاف إذا ولى ويؤمن مقبلا ... ويخفي على الأقران ما هو صانع
بدا فارسي الزي يعقد خصره ... عليه قباء زينته الوشائع
فمعجره الوردي أحر ناصع ... ومئزره التبري أصفر فاقع
يرجع ألحان الغريض ومعبد ... ويسقي كؤوسا ملؤها السم ناقع
وقال السري الرفاء يصفه:
ومخطف الخصر برده حبر ... تخذره وهو خائف حذر
مجنح طار في.... مجنحه ... تصعد طورا به وتنحدر
كأنها والرياح تنشدها ... غرائب الزهر حين تنتشر
لها حمأة كأنها شعر ... تظهر مسودة وتستتر
قد أذهبت في الجبين غرته ... إذا فضضت في جيادنا الغرر
سلاحه الدهر في مؤخره ... يطعن طورا به وينتصر
كأنه شطر ما يجرده ... من بين فكيه حية ذكر
القول في طبائع العنكبوت