جلودها تساقطت شعورها، ولا يدنو من المرأة الطامث، ومتى مس قوائمه لحاء شجر البلوط خدر ولم يتحرك من مكانه وإذا غمره الماء جاء الصبي حتى يركب على ظهره ويقبض على أذنه، ولا تفارقه الحمى ولذلك الأطباء يسمون الحمى داء الأسد، وعظامه عاسية جدا، وإن دلك بعض عظامه ببعض خرجت منها نار كما يخرج من الحجارة، وكذلك في جلده من القوة والصلابة، ما لم يعمل فيه السلاح إلا من مراق من بطنه، وليس في الأسود إلا وحشيا، وقد يطول مثوى الواحد مع الناس حتى يهرم وهو في جميع حالاته صعب شديد العزم لا تؤمن شروره إن انفرد من سوامه وأبصر غيضة بين يديها صحراء، ويبلغ من العمر كثيرا، وعلامة ذلك أن يصاد فيوجد مهشوم الأسنان وليس ذلك إلا من الكبر.
[الوصف والتشبيه]
وصفه أبو زيد الطائي في حكاية حكاها لعثمان بن عفان رضي الله عنه وقد لقيه فقال:) أقبل يتظالع من بغيه، ولصدره غيظ، ولبلاعيمه غطيط، ولطرفه وميض، ولأرساغه نقيض كأنما تخبط هشيما، أو يطأ صريما، ذا هامة كالمجن، وخد كالمسن، وعينان سجراوان كانهما سرجان، وقصرة ربلة، ولهزمة رهلة وساعد مجدول وعضد مفتول، وكف شثنة البراثن، ومخالب كالمحاجن وفم أشدق كالغار الأخرق يفتر عن معاول مصقولة غير مغلولة، فهجهجنا به قرقر وبربر ثم زأر فجرجر، ثم لحظ البرق يتطاير من جفونه عن شماله ويمينه، فأرعشت الأيدي واصطكت الأرجل، وجحظت العيون، وساءت الظنون، ولحقت الظهور بالبطون، وقد روى آخرون في حكايته وصفا آخر، وكان الوصفان مصنوعين على لسانه، إذ العرب قلما تسترسل في السجع.
وهو له عينان حمراوان مثل وهج الشرر كأنما نقرتا بالمناقر عرض حجر لونه ورد، وزئير رعد، هامته عظيمة، وجبهته سقيمة، نابه شديد، وشره عتيد، إذا استقبلته قلت أقرع، وإن استدبرته قلت أقرع، لا يهاب إذا الليل عسعس، ولا يجبن إذا الصبح تنفس ثم أنشد:
عبوس شموس مصلخد مكابر ... جريء على الإقدام للقرن قاهر
براثنه شثن وعيناه في الدجى ... كجمر الغصا في وجهه الشر طائر
يدل بأنياب حداد كأنها ... إذا قلص الأشداق عنها خناجر
ومن التهويلات في الأسد نظما قول القائل:
إياك لا تستوش ليثا مخدرا ... للهول في غسق الدجى دواسا
مراسا كأمراس القليل جدوله ... لا يستطيع له الأنام مراسا
شثن البراثن لمحاجن عطفت ... أظافره فتخالها أقواسا
لان الحديد لجلده. . . فإهابه ... يكفيه من دون الحديد لباسا
مصطكة أرساغة بعظامه ... فكأن بين فصولها أجراسا
وإذا نظرت إلى وميض جفونه ... أبصرت بين شفورها مقباسا
وقال آخر يصفه:
توق وقاك رب الناس ليثا ... حديد الناب والأظفار وردا
كأن بملتقى اللجين منه ... مذربة الأسنة أو حدا
وتحسب لمح عينيه هدوء ... ورجع زئيره برقا ورعدا
تهاب الأسد حين تراه منه ... إذا لاقته في الغاب فردا
تصيد من الفرائس حين يبدو ... وكانت قبل تأنف يصيدا
وقال الناشئ يصفه:
رب ذي شبلين قسورة ... قد أجم الحين في اجمه
لا يرى حيا يطيف به ... لا ولا يدنو إلى حرمه
كمجن الحرب هامته ... وكغفور النار غور فمه
وكجدل الجذع قصرته ... وكهضيب صعب ملتزمه
وتظفر القد ساعده ... وتلف رحب مبتسمه
وكوقب الشعب فعلته ... وكلصب شعب ملتقمه
ولناب الناب مخلبه ... حين ينجيه بمختطمه
وكأن الموت معترض ... بين لحييه وملتثمه