وهو الباشق، وهذا الصنف وإن كان معدوداً في جنس البازي، والزرق فإنه أحر وأيبس، ولغلبة هذا المزاج عليه هو هلع، قلق، ذعر، يأنس وقتاً، ويستوحش وقتاً، ونفسه قوية خائفة فإذا أنس منه الصغير بلغ منه كل المراد، وخير الباشق ما أخذ فرخاً لم يلق من قوادمه ريشة واحدة، متنه دان، وهو متى تم تأنيسه وجد منه باز خفيف المحل، طريف الشمائل يليق بالملك أن يخدمه وإن يستخدمه لخفة محمله، وحسن خلقه، ولأنه يصيد أفخر ما يصيده البازي وهو الدارج والحمام والورشان، والشفنين، وأصحاب الكلام في البيزرة يصفونه بالشبق، ويقولون: إن الأنثى إذا هاجت سقطت على شرف، وصفرت صفيراً حتى يسمع الذكر فيعرفها فيأتيها فإذا أحست به سكنت له فإذا سفدها حلق طائراً ثم يعود، ولا يزال يسفدها ما دامت ساكنة له حتى ربما فعل خمسين مرة وأزيد، فإذا ضجرت شدت عليه لتقتله فيطير محلقاً.
ومن طبعه إذا علق بما هو أشد منه واضطرب في يده لم يسهل عليه نقل كفه من موضع إلى موضع، وإن قوى صيده عليه لم يفارقه أو يتلف أحدهما فسبيله أن لا يرسل على كل ما طلب فيكون قد كلف ما لا يطيق، ومن صفاته المحمودة أن يكون صغيراً في المنظر ثقيلاً في الوزن طويل الساقين قصير الفخذين عظيم السلاح بالنسبة إلى جسمه.
[الوصف والتشبيه]
قال بعض الشعراء فيه:
إذا بارك الله في طائر ... فخص من الطير اسبهرقي
له هامة كللت باللجين ... فسال اللجين على المفرق
يقلب عينين في رأسه ... كأنهما نقطتا زئبق
واشرب لوناً له مذهباً ... كلون الغزالة في المشرق
حمام الحمام وحتف القطا ... وصاعقة القبح والعقعق
وأحنى عليه إلى أن يعو ... د إليك من الوالد المشفق
فأكرم به وبكف الأمي ... ر وبالدستبان إذا يلتقي
ولكاتب أندلسي يصفه من رسالة: كأنما اكتمل بلهب أو انتعل بذهب، ملتف في سبرة، وملتحف بحبرة، من سيوفه منقاره، ومن رماحه أظفاره، ومن اللواتي تتنافس الملوك فيها تمسكها عجباً بها وتيهاً، فهي على أيديها آية بادية، ونعمة من الله نامية تبذل لك الجهد طرحاً وتعيرك في نيل بغيتك جناحاً، وتتفق معك في طلب الأرزاق، وتأتلف بك على اختلاف الخلق والأخلاق ثم يلوذ بك ليؤذي من يرجوك، ويفي لك وفاء لا يلزمه لك ابنك ولا أخوك.
ثم ذكر حمامة صادها: اختطفها أسرع من اللحظ، ولا محيد لها عنه، وانحدر بها أعجل من اللفظ، وكأنما هي منه، ثم جعل يتناولها بمثل السبعين، ويدخلها في أضيق من التسعين وكأن لها موتاً عاجلاً، وكأن له قوتاً حصلاً.
وقال آخر:
لما انجلى ضوء الصباح وانفلق ... غدوت في ثوب من الليل خلق
بطامح النظرة في كل أفق ... بمقلة تصدقه إذا رمق
كأنها نرجسة بلا ورق ... مبارك إذا رأى فقد رزق
وقال أبو الفتح كشاجم:
يسمو فيخفي في الهواء ويأتي ... عجلاً فينقض انقضاض الطارق
وكأن جؤجؤ وريش جناحه ... خضباً بنقش الفتاة العاتق
فكأنما سكن الهوى أعضاؤه ... فاعارهن نحول جسم العاشق
ذا مقلة ذهبية في هامة ... محفوفة من ريشها بحدائق
ومخالب مثل الأهلة ظالماً ... أدمين كف البازيار الحاذق
وإذا انبرى نحو الطريدة خلته ... كالريح في الإسراع أو كالمارق
وإذا القطاة تخلفت من خوفه ... لم يعد أن يهوى بها من خالق
[الصنف الرابع من البازي]
وهو العفصي بالباشق كشبه الزرق بالبازي إلا أنه أصغر الجوارح نفساً، وأضعفها حيلة، واشدها ذعراً، وأيبسها مزاجاً، وربما صاد العصفور، وتركه وهرب لخوفه وحذره، وكل طائر حذر وخاف، مات فرقاً، فإن الدراج يخاف حتى يموت لأن الخوف يتحرك فيه حتى لا يحس بجوع ولا عطش حتى يموت، من طبع هذا الطير أنه يرصد الطير أوان حضانه، فإذا طار من وكره خلفه فيه وكسر بيضه ونحاه ورمى بالقشر، وباض مكانه وطار عنه، فيحضنه صاحب الوكر فهو أبداً لا يحضن، ولا يربي، ويتكل على غيره في تربية فراخه، ولم أجد لأحد من الشعراء شيئاً في وصفه، فأثبته، والظاهر أنهم لم يصفوه لأنه يشبه بالباشق، فحملوا الصفة على الصفة واستغنوا بأحدهما عن الأخرى.
الصنف الخامس من البازي