للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن أبي الأشعث: وكل حيوان البحر يأوي الماء ويستنشقه كما نستنشق نحن الهواء إلا أنا نستنشقه ومن جرى مجرانا من الحيوان بأنوفنا وينفد إلى الحنك ثم إلى الرئة والسمك يستنشقه بأصداغه فيقوم له الماء في تولد الروح الحيواني في قلبه، ويفي الفضل الشبيه بالدخاني مقام الهواء فينا، ولهذا الحيوان أنف يشم به فقط، وللنفس النفسانية فينا دم وهواء، وهي في السمك دم وماء فقط وإنما استغنى عن الهواء في إقامة الحياة، ولم نستغن نحن وما أشبهنا من الحيوان عنه لأنه في عالم الماء، والأرض دون عالم الهواء ونحن في عالم الماء والهواء والأرض وذلك إنما نغتذي بالبزور والقضب والحيوان، وهذا من جوهر الأرض، ويشرب الماء ويستنشق الهواء، والسمك كله شره كثير الأكل لأمرين: أحدهما: برد مزاج معدته. والآخر قربها من فمه، ولأنه ليس له عنق ولا قصبة رئة طويلة وحيوان البحر لا صوت له إذ لا رئة له، وبعضه يتنفس في الهواء، ولا صوت له إذ لا حلقوم له، وبعضه له صوت ضعيف رديء، وحاسة الشم فيه قوية، أقوى منها فينا وأشد سمعا منا، وسبب ذلك أن صماخه أصلب من اصمختنا لأن اصمختنا غضروفية واصمخته من جوهر اصداعه، فمصاكة الأصوات لها أشد وقعا وأبصارنا أشد من أبصاره لكدر الروح النفساني فيه لأنه ينظر من غير هواء، فلذلك إذا قربت منه وهو راكد لا يتحرك، فإن صوت به نفر، فعلم من ذلك أن حاسة البصر فيه غير مناسبة لحاسة السمع، ولسانه غليظ قصير، وهو شبيه باللسان وليس لسانا حقيقيا لأن اللسان للصوت، وليس هو مصوتا، واللسان يقلب الغذاء على الأضراس عند المضغ، وهذا الحيوان لأي مضغ دائما، وإنما لسانه يحس الطعام ولأنه سداد لحنجرته، وحماما لحرارة جوفه، وله أضراس، وليست للمضغ، وإنما هي لقتل ما يفترسه من حيوان الماء، والأرض، يطبقها عليه، وفعله هذا يشبه فعل الحية، فإنها تبلع ما ليس بحيوان ازدرادا، وتنهش الحيوان، وتثبت فيه أضراسها، وتفرغ فيه سما يكون سببا لقتله ومقربا له من طبعها ليجود بذلك طعمها وسبيلها في ذلك سبيلنا في تدبيرنا الأغذية بالنار لنقربها من طباعنا إلا أن ذلك لنا بالعقل، ولها بالطبع، ولهذا شعبتان ذواتا مفصلين هما له عوضا عن الخرطوم، أو من اليد المتناول بها ما تأكله، تحركهما كيف تشاء كما يحرك ذو الخرطوم خرطومه، وذو اليد يده، وإنما لم تخلق له القوائم لأنه حيوان سابح، وليس بحيوان ماش، ولذلك خلقت آلات السباحة والحركة في الماء، وكذلك الحية لما لم تكن ماشية لم تخلق لها القوائم، فخلقت طويلة ليكون ذلك أسرع لحركتها على الأرض، والسمك يفر ويركد، وصغاره تحترس من كباره بأن تطلب الشط والماء القليل الذي لا يحمل الكبير، وهو شديد الحول والقوة جدا، وذلك إن قوته المحركة للإرادة تجري في مسلك واحد، ولا ينقسم في يد أو رجل أو شيء مما يستغل القوة، وهذا بعينه موجود في الحيات، حتى أنه إذا دخل في جحر لم يقدر ذو البطش الشديد من الرجال أن ينتزعها وإن جرها بأشد ما يقدر عليه، واختلف الناس في سفاده، وأقوى الأقاويل أنه يسفد مثل الحية، وإن الذكر يلقح بسفدة يسفدها كثيرا مما في جف الأنثى من البيض، كما يلقح بالشيء اليسير من الكثير وهو ذكر النحل الكثير منها، وعلى هذا إن القول لا يقطع به، وقال أرسطو: من السمك ما يتولد من سفاد ومن بيض ومنه ما يتولد من ذاته، أما من الطين وأما من الحمأة، وأما من الرمل، وأما من العفونة التي تطفو على الماء، وخاصة إذا كانت العفونات غالبة، وتكون في الأرض الذي يكون فيها الطحلب من البحر وتكون على شطوط الأنهار والينابيع، لأن الحرارة تغلب على تلك الأرض فتعفن، ويتولد من عفنها دود يتخلق منه ضروب من السمك وبيض السمك ليس فيه بياض وصفرة، وإنما هو لون واحد، وقال الجاحظ: في السمك القواطع، والأوابد كما في الطير، فإن أهل البصرة والابلة يأتيهم السمك الأسبور ثلاثة أشهر في السنة ثم ينقطع عنهم تسعة أشهر ويخلفه غيره في هذه المدة، ويسمى الجواف ثم يذهب ويعود الأسبور ويقطع إليهم سمك يسمى البرستوك من بلاد الزنج، ولا يوجد في الزنج في الوقت الذي يوجد عندهم، فكذا لا يوجد في البصرة في الوقت الذي يكون في الزنج، وعد أصنافا كثيرة كذلك، ومن أصناف السمك ما هو في شكل الحيات، وهو من أصناف الحشرات والدواب والسباع، فتوالدت تلك الحيات هناك، وأما أن يكون كانت

<<  <   >  >>