قال المتكلمون في طبائع الحيوان الكلب لا سبع ولا بهيمة تامة حتى كأنه من الخلق المركب، لأنه لو تم له طباع السبعية ما ألف واستوحش في البراري، وجانب القفار، ولو تم له معنى البهيمية في الطبع ما أكل لحم الحيوان وكلب على الناس، وإنما جعلناه تبعا للفهد، وهذه حاله لمشاركته له في حرفة الصيد، واعتناء الناس بتربيته، وتعليمه، كما اعتنوا بالفهد في ذلك وهو نوعان أهلي وسلوقي، وكلاهما في الطبائع سواء، وفي طبائع الكلب أنه يحلم ويحتلم، وتحيض إناثه في كل سبعة أيام وعلامة ذلك ورم اثفارها والأنثى تحمل ستين يوما، ومنها ما تحمل خمس السنة، ومنها ما تحمل ربعها وما ولدته قبل الستين لا يعيش، وتضع جراها عميا، ولا تفتح عينها إلا بعد اثني عشر يوما، ويظهر لبنها بعد حملها بثلاثين يوما، والذكور تهيج قبل الإناث وهي تنزو إذا مضى عليها سنة، وربما عرض لها ذلك إذا تمت لها ثمانية أشهر وإذا وضعت الأنثى ينزى عليها بعد ستة أشهر وتحمل إلى تمام عشرين سنة ويسفدها كلب أبيض وكلب أسود، وكلب أبقع، وكلب أصفر، فتؤدي إلى كل سافد منها شبهه وشكله، وفي الكلب من الاهتداء إلى الأثر وشم الروائح لغيره ولهذا تراه أبدا يشمم ويتروح ولو كانت الأرض ذوية جرداء، وهذا من شدة الحرص والجشع، ومن جشعه أنه لا يرمي بحجر إلا رجع إليه وعض عليه لما كان لا يأكل إلا شيئا رمي به إليه صار يتوهم، لفرط شهوته أن الرامي لم يرد عقره وقتله، وإنما أراد إطعامه والإحسان إليه، والجيفة أحب إليه من اللحم الغريض، وهو يأكل العذرة ويرجع في قيئه، ويشغر ببوله، وبينه وبين الضبع عداوة شديدة وذلك أنه إذا كان في مكان مرتفع ووطئت الضبع ظله في القمر رمى نفسه إليها مخذولا فاكلته، والظريف في ذلك أن الإنسان متى حمل لسان ضبع لم سنبح عليه كلب، ومتى دهن كلب بشحمها جن واختلط وفي طبعه أنه يحرس ربه ويحمي حريمه شاهدا، وغائبا، وذاكرا وغافلا، ونائما ويقضانا، وهو أيقظ الحيوان عينا في وقت حاجته إلى النوم، وإنما نومه نهارا عند استغنائهم عن حراسته، وهو في نومه أسمع من فرس، وأحذر من عقعق، وهو إذا نام كسر أجفان عينيه ولا يطبقهما وذلك من خفة نومه، وسبب خفته أن دماغه بارد باالنسبة إلى دماغ الإنسان ومن عجيب حاله أنه يكرم الجلة من الناس، وأهل الوجاهة، فلا ينبح على أحد منهم وربما حاد عن طريقه، وينبح على الأسود، والوسخ الثوب، والصغير الحال، ومن طباعه البصبصة والترضي والبشاشة، والتودد، والألف، بحيث إذا دعي بعد الضرب والطرد رجع وليس شيء عنده آثر من أن ينظر إليه صاحبه بوجه طلق، وتمكنه من ملاعبته وهو لا يلاعب كلبا ما دام ربه يلاعبه، وفي ملاعبته له يعضه العض الذي لا يؤثر ولا يؤلم، وهي الأضراس التي لو نشبها في الحجر لنشبت وقد وصف بأنه أشد الحيوان فكا وأرهفها حدا يرى العظم المدبج، فيعلم بالطبع والغريزة أنه إذا عضه رضه وإذا ابتلعه استمرأه، وفي طبعه أنه يأكل للقناعة لا للشبع، والشبعة الواحدة تؤثر في جسمه، وفي نومه، ومن عاداته إذا طرح له الطعام أكل منه نهمته، فإن فضل عنه شيء خبأه بحيث يأمن ليجده إذا احتاج إليه وإذا طرح إليه الشيء وهو شبعان احتمله حتى يحوزه لوقت ضرورة ولقد حكى بعض الكبراء أنه بالدرب الذي يسكن فيه كلبة ولدت أجراء كثيرة، فذهبوا موتا واحدا بعد واحد، وبقي معها واحد، فدخلت يوما بيت بعض جيرانه، فأخذت منه رغيفا، فأغلق بابه وعاقبها حتى ألجأها إلى طاقة في البيت على الطريق فرمت بنفسها منها فماتت، فكنت أشفق على الجرو لصغره وكيسه فأطعمه، وأسقيه لعجزه عن الاكتساب فدخل يوما الدرب كلب كبير ظن الجرو أنه أمه فبادر إليه وتعلق به، ودار حوله فرأيت الكلب قد قاء له شيئا من فيه وانصرف، فأكله الجرو مكانه، عندما حن بره بما وصلت إليه قدرته إليه، خلق لو تخلق الإنسان بمثله لم ينطق لسان يلوم على البخل وعذله والكلب يقبل التأديب والتعليم والتلقين وهو في ذلك أهدى من الفيل والدب والقرد، والغنم المكية، والببغاء والزرزور حتى أن في أجناسها من لو وضع على رأسه المسرجة، ورمى له قطعة لحم لا يلتفت إليها ما دام على حالته، فإذا أخذت المسرجة عنه وثب على اللحم فأكله وهو يعيش على الجراح التي لا يعيش عليه غيره، وتعرض له أمراض سوداوية منها الكلب، وهو جنون يعترضه وقت طلوع نجم الكلب، وقد ألهم أنه إذا