ولا شك في أن تعاليم الإسلام، رفعت المستوى العقلي للعرب إلى درجة كبرى، فهذه الصفات التي وصف القرآن بها الله سبحانه وتعالى، نقلتهم من عبادة أوثان وما يقتضيه ذلك من انحطاط في النظر وإسفاف في الفكر - إلى عبادة إله غير المادة:{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}[الأنعام ٦: ١٠٣].
كان الإله عند أكثرهم إله قبيلة، وإن اتسع سلطانه فإله قبائل أو إله العرب، فأبانه الإسلام إله العالمين ومدبر الكون وبيده كل شيء وعالماً بكل شيء، فاستطاع العربي بهذه التعاليم أن يرقى إلى فَهْمِ إلهٍ لا مادة له، واسع السلطان، واسع العلم، وأفهمهم الإسلام أن دينهم خير الأديان، وأن العالم حولهم في ضلال، وأنَّ نبيَّهم نبيُّ الناس جميعاً، وأنهم ورثته في حمل دعوته إلى الأمم؛ فكان ذلك من البواعث على غزو هذه الأمم يدعونهم إلى دينهم، ويبشرونهم به، فمن دخل فيه كان كأحدهم، له ما لهم وعليه ما عليهم.
وكان لعقيدة اليوم الآخر ودار الجزاء والجنة والنار، أثر عظيم في بيع كثير منهم نفوسَهم في سبيل نشر الدعوة:{*إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة ٩: ١١١].