للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأشرافهم، وجلس إليهم ودعاهم إلى الله، وكلّمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على مَن خالفه من قومه، فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبّونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس والجؤوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما فيه، فعمد إلى ظل شجر العنب وجلس فيه يقول: "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى مَن تَكِلُني؟ إلى بعيدٍ يتجهمني، أم إلى عدوّ ملّكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تُنزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك؛ لك العُتبى (١) حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك"، ثم انصرف من (الطائف) راجعاً إلى مكة حين يئس من خير (ثقيف) (٢).

وتحرّج موقفه في مكة، وقَلَّ نصيره فيها، واشتدت مقاومة قريش

لدعوته، وأصبح مقامه بينهم عسيراً.

[٢ - الهجرة]

وكانت بيعة (العَقَبَة) الأولى وبيعة (العقبة) الكبرى، ثم أمر أصحابه بالهجرة إلى المدينة المنورة قائلاً: "إن الله عز وجل قد جعل لكم إخواناً وداراً تأمنون بها"، فخرجوا أرسالاً (٣). وأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -


(١) العتبى: الرضى.
(٢) عيون الأثر (١/ ١٣٤)، وجوامع السيرة (٦٧).
(٣) الأرسال: جمع رَسْل. والرَّسْل: الجماعة من الناس. يقال: جاء القوم أرسالاً: جماعات، بعضهم إثر بعض.

<<  <   >  >>