للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإني مرتحل! ... ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه، ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فوالله ما أطلق عقاله إلا وهو قائم ... فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم يصلي في مِرْطٍ (١) لبعض نسائه مراجل (٢)، فلما رآني أدخلني إلى رجليه وطرح عليَّ طرف المرط، ثم رجع وسجد، فلما سلَّم أخبرته الخبر" (٣).

[٦ - محاسبة الغادرين]

وحاصر النبي - صلى الله عليه وسلم - بني (قُرَيظة) من يهود خمساً وعشرين ليلة حتى

جَهَدَهم الحصار (٤)، فبعثوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ابعث إلينا أبا لبابة بن

عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف لنستشيره في أمرنا، فأرسله

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم؛ فلما رأوه قام إليه الرجال، وجهش (٥) إليه

النساء والصبيان يبكون في وجهه، فَرَقّ لهم. وقالوا له: "يا أبا لبابة! أترى أن ننزل على حكم محمد"؟؟ قال: "نعم" وأشار بيده إلى حلقه: إنه الذبح! ... قال أبو لبابة: "والله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم". وانطلق أبو لبابة على وجهه، ولم يأتِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عُمده وقال: "لا أبرح من مكاني هذا حتى يتوب الله عليّ مما صنعت، وأعاهد الله أن لا أطأ بني (قريظة) أبداً ولا أُرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبداً".

فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبره - وكان قد استبطأه - قال: "أما إنه لو


(١) المرط: الكساء.
(٢) مراجل: ضرب من وشي اليمن.
(٣) سيرة ابن هشام ٣/ ٢٥٠ - ٢٥٢، وطبقات ابن سعد ٢/ ٢٦٩.
(٤) سيرة ابن هشام ٣/ ٥٤.
(٥) تقول: جهش الرجل بالبكاء وأجهش: إذا تهيأ له وبدأ فيه.

<<  <   >  >>