العثماني يتنسطون الأخبار ويكتبونها في ورقة، حتى إذا ما جن الليل ثبتوها في السهام وقذفوا بها إلى المدينة، وكذلك كان يفعل جواسيس السلطان داخل القسطنطينية.
وقد أظهر الروم البخل والشح حتى في هذا الوقت الذي تستهدف فيه مدينتهم لأعظم الأخطار، فقد خبَّأ الأغنياء أموالهم وكنوزهم وضنُّوا بها على وطنهم، فصارت فيما بعد غنيمة باردة للعثمانيين، كما أبى كثير من الروم أن ينقلوا الأحجار والتراب إلى السور إلا إذا أخذوا أجراً على هذا العمل، واضطرَّ اللاتين أن يدفعوا لهم ما طلبوا.
ولكن الروم واللاتين قصدوا الكنائس وعلى رأسهم قسطنطين للدعاء!
[١٨ - الهجوم العام]
في الساعات الأولى من يوم الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثمانمئة الهجرية (٢٩ مايس - مايو - ١٤٥٣ م) سمعت فجأة في المعسكر العثماني دقة ضخمة بالطبل إيذاناً للجند بالتأهُّب أعقبتها ثلاث دقَّات أخرى مثلها، ثم تتابعت الدقات في جميع أرجاء المعسكر ونفخ في الأبواق وتصاعدت التكبيرات مجلجلة مدوية من اتجاهي البر والبحر. وكان لذلك كله دوي هائل مخيف في ذلك السكون العميق المظلم، أثار الفزع والرعب في قلوب أهل القسطنطينية، وهرع كثير منهم إلى الكنائس التي دقت أجراسها، وانطلق الجنود العثمانيون يهجمون على سور القسطنطينية من البر والبحر طبقاً للخطة المرسومة التي وضعها الفاتح وأصدرها إلى قادته.