لقد تصرَّف العربي المسلم فرداً تصرفاً لا يزال يُعتبر من الأعمال الفذة النادرة في حياة البشر: تحمَّل التعذيب والموت صابراً راضياً مطمئناً، وترك أهله وماله مهاجراً إلى الله ورسوله، وضرب بمصلحة الأقربين وعشيرته وقبيلته عرض الحائط حين وجدها تعارض عقيدته ومصلحة المسلمين العليا.
وتصرف العربي المسلم ضمن المجموع من أمته تصرفاً لا يزال يُعتبر حتى اليوم مفخرةً من المفاخر: اندفع يجاهد في سبيل حرية نشر عقيدته وحمايتها، فخرجت القوة المؤمنة التي اختزنتها الصحراء عبر الأجيال، تحمل راية الله سبحانه وتعالى وتبلّغ عن أمره، فتتابعت انتصاراتها الباهرة، فلم يشهد التاريخ في أحقابه المديدة انتصارات مظفرة وفتحاً مستداماً مثلما شهد انتصارات الفتح الإسلامي العظيم؛ تلك العقيدة التي جعلت العربي المسلم يقاتل قتالاً مستميتاً، ويضحي بروحه من أجلها.
وهذه العقيدة هي التي دفعت العربي المسلم إلى التضحية والفداء، وجعلته صابراً في البأساء والضراء وحين البأس، وهذه العقيدة هي التي قادته من نصر إلى نصر، مادام متمسكاً بها، فلمّا أعرض عنها لم يرَ النصر أبداً.
لقد جعل الإسلام من العربي عنصراً مفيداً أعظم الفائدة للمجتمع الإسلامي العربي، وجعل من هذا المجتمع قوة عظيمة متماسكة تحرص على السلام ولكنها لا تعرف الاستسلام، وتطلب الموت لتوهب لها الحياة.