للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعداوتهم، ولم يطب نفساً بإسلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهم ولا خذلانه (١)، ولكنه قال له: "يا ابن أخي! إن قومك قد جاؤوني، فقالوا لي كذا وكذا، فابْقِ عليَّ وعلى نفسك، ولا تحمِّلني من الأمر ما لا أطيق"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عم! والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يُظهره الله أو أهلك دونه، ما تركته" (٢).

وجعل قريش يجلسون بِسُبل (٣) الناس حين قدموا الموسم، لا يمر بهم أحد إلا حذَّروه إياه وذكروا له أمره (٤). وأغرى رجال قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم سفهاءهم، فكذّبوه وآذوه، ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مظهر لأمر الله لا يستخفي به، مُبادٍ لهم بما يكرهون من عيب دينهم واعتزال أوثانهم وفراقه إياهم على كفرهم. وطلع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً، فوثبوا عليه وثبة رجل واحد، وأحاطوا به يقولون: "أأنت الذي تقول كذا وكذا؟! "، لِمَا كان يقول من عيب آلهتهم ودينهم، فيقول: "نعم، أنا الذي أقول ذلك"، فأخذ رجل منهم بمجمع ردائه، فقام أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - دونه وهو يبكي ويقول: "أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟! " (٥).

وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً، فلم يلقه أحد من الناس إلا كذّبه


(١) خذلانه: تركه. تقول: خذلت الرجل، إذا تركته ولم تنصره.
(٢) سيرة ابن هشام ١/ ٢٧٨.
(٣) السبل: جمع سبيل، وهي الطرق.
(٤) سيرة ابن هشام ١/ ٢٨٤.
(٥) سيرة ابن هشام ١/ ٣٠٩ - ٣١١.

<<  <   >  >>