واستهان بالوعد والوعيد والمال والمجد، وصبر على شَظَف العيش والجوع والعري والمشقة، وهو القوي الأمين، السيد الثري، الذي كان بإمكانه أن يعيش مصاناً مترفاً.
وقاتل قومه وقبيلته، وعادى من عادى الإسلام وسالم من سالمه، وعرّض نفسه للموت في ساحات القتال مجاهداً (١)، وخارج ميدان الوغى داعياً، وضحى بالأقربين من أهله وبنفسه، وتحمَّل المسؤوليات الجسام التي تنوء بحملها العصبة أولو القوّة من أفذاذ الرجال، واستأثر لنفسه بالأخطار، وآثر رجاله بالأمن، وهو البَر الرحيم الذي كان بإمكانه أن يعيش مرفّهاً بعيداً عن الأخطار.
إنه كان تجسيداً حياً لتعاليم الإسلام عقيدة وعملاً، وتضحية وفداء، وجهاداً بالمال والنفس في سبيل الله، فهو الأسوة الحسنة الباقية أبداً للمسلمين في كل زمان ومكان:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[سورة الأحزاب ٣٣: ٢١].
إنه كان مثالاً حياً للخلق الكريم:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ٤}[سورة ن ٦٨: ٤]، والإسلام في حقيقته وروحه عقيدة وعمل، وتضحية وفداء، وجهاد بالأموال والأنفس، وكلها في جملتها وتفصيلها معنى من معاني الخلق العظيم.
(١) قاد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثمان وعشرين غزوة، وقد نشب القتال بين المسلمين الذين بقيادته وبين المشركين ويهود في تسع غزوات، بينما فرَّ المشركون في تسع عشرة غزوة من تلك الغزوات بدون قتال. انظر التفاصيل في: (الرسول القائد)، ص ٤٢٣ - ٤٢٤.