للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معك. والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة ٥: ٢٤]، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالله الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى (برك الغِماد) (١) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ودعا له ثم قال: "أشيروا عليَّ أيها الناس"! وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم عدد الناس، وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله! إنا براء من ذِمامك (٢) حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا، نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا ... ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخوَّف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه (٣) بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم من بلادهم إلى عدو، فلما قال ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال له سعد بن معاذ: "والله لكأنك تريدنا يا رسول الله! قال: "أجل قال: " ... فقد آمنا بك وصدَّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، فأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلَّف منا رجل واحد. وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً، إنا لَصُبُرٌ في الحرب صُدقٌ في اللقاء، لعل الله يريك ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله" (٤).


(١) برك الغماد: موضع بناحية اليمن.
(٢) الذمام: العهد والأمان والكفالة. والذمام الحق والحرمة.
(٣) دهمه: فجأه. يقال: دهمتهم الخيل إذا فاجأتهم على غير استعداد.
(٤) سيرة ابن هشام ٢/ ٢٥٣ - ٢٥٤، وعيون الأثر ١/ ٢٤٧ - ٢٤٨.

<<  <   >  >>