للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القوم (١). وأخذ الراية جعفر بن أبي طالب وقاتل بها، حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له (٢) شقراء فعقرها، ثم قاتل القوم حتى قتل وهو يقول: "يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارداً شرابها والروم رومٌ قد دنا عذابها كافرةً بعيدةً أنسابها عليّ إذ لاقيتها ضرابهُا (٣) " وكان جعفر قد أخذ اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه (٤) حتى قتل - رضي الله عنه - وهو ابن ثلاثة وثلاثين سنة (٥)، فوُجد في جسمه بضع وتسعون طعنة ورمية كلها فيما أقبل من جسمه (٦).

ولما استشهد جعفر أخذ عبد الله بن رَواحة الراية، فتقدم بها وهو على فرسه وهو يقول: "أقسمت يا نفسُ لتنزلنَّه لتنزلنَّ أو لتُكرهنَّه إنْ أجْلَبَ الناس وشدوا الرنّة مالي أراكِ تكرهين الجنّة (٧) قد طالما قدكنتِ مطمئنة هل أنت إلا نطفة في شنّة (٨)


(١) شاط في رماح القوم: أي هلك. نقول: شاط الرجل، إذا سال دمه فهلك.
(٢) اقتحم عن فرس له: أي رمى بنفسه عنها، يريد أنه كان فارساً فترجَّل.
(٣) سيرة ابن هشام ٣/ ٤٣٣ - ٤٣٤.
(٤) احتضنه: أخذه في حضنه. وحضن الرجل: ما تحت العضد إلى أسفل.
(٥) سيرة ابن هشام ٣/ ٣٤٣.
(٦) الإصابة ١/ ٢٤٨.
(٧) أجلب الناس: صاحوا واجتمعوا. والرنة: صوت فيه ترجيع يشبه البكاء.
(٨) النطفة: الماء القليل الصافي. والشنة: القربة القديمة.

<<  <   >  >>