للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وآثارها كانت بعيدة المدى؛ فبينما رأى الروم تلك الغزوة (غارة) من الغارات التي اعتاد البدو شنها للنهب والسلب، كانت غزوة (زيد) هذه في الحقيقة غزوة من نوع جديد لم تقدِّر دولة الروم أهميتها، فهي حرب منظمة كانت لها مهمة خاصة، جعلت المسلمين يتطلعون جدياً لفتح أرض الشام.

وفي العام التالي، أي في السنة التاسعة الهجرية (٦٣٠م)، قاد النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه غزوة (تبوك)، فأظهر للروم وحلفائهم من العرب الغساسنة قوة المسلمين، ثم عاد إلى المدينة المنورة، فكانت غزوة (تبوك) إيذاناً بانطلاق الفتح الإسلامي لتحقيق أهدافه.

وفي السنة الحادية عشرة الهجرية (٦٣٢م) أعد الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام جيشاً من المسلمين بقيادة أسامة بن زيد الكلبي (١) للتعرض لقوات الروم وحلفائهم، غير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي في يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول سنة إحدى عشرة الهجرية قبل تحرك ذلك الجيش، فترك لخلفائه خطة واضحة المعالم، وولَّى وجوههم شطر قبلة عيّنها لهم ... وهكذا وقف الرسول القائد عليه أفضل الصلاة والسلام بثاقب نظره على أن أشد الأخطار التي يمكن أن تحل ببلاد العرب وتناوئ دعوته هي في أرض الشام حيث الروم وعمالهم الغساسنة، وقد أثبتت حوادث الفتح الإسلامي في مناطق الروم صدق هذه الإشارة، فكان الروم أشد المحاربين عناداً (٢).


(١) انظر ترجمته في: قادة فتح أرض الشام ومصر، ص ٣٣ - ٥١.
(٢) الدولة الإسلامية وإمبراطورية الروم ص ٤١.

<<  <   >  >>