خروجه، ومنهم من خالفه الخروج، وعلى رأسهم علي -كرم الله وجهه- قال له:
"إن هذا الأمر لم يكن عنصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، وهو دين الله الذي أظهره، وجنده الذي أعده وأمده، حتى بلغ ما بلغ، وطلع حيثما طلع؛ ونحن على موعد من الله، والله منجز وعده، وناصر جنده؛ ومكان القيِّم من الأمر مكان النظام من الخرز، بجمعه وبضمه، فإذا انقطع النظام تفرق الخرز، ثم لم يجتمع بحذافيره. والعرب وإن كانوا قليلاً هم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع؛ فكن قطباً، واستدر الرحى بالعرب، وأَصْلِهم دونك نار الحرب؛ فإنك إن شخصت من هذه الأرض انقضّت عليك العرب من أطرافها وأقطارها، حتى يكون ما تدع وراءك من العَورات، أهم إليك مما بين يديك. إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا: "هذه أصل العرب، فإن قطعتموه استرحتم. فيكون ذلك أشد لكَلَبِهِم عليك وطمعهم فيك؛ فأما ما ذكرت من سير القوم إلى قتال المسلمين، فإن الله تعالى أكره لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره؛ وأما ما ذكرت من عددهم، فإنا لم نقاتل بالكثرة، وإنما كنا نقاتل بالنصر والمعونة".
ولسنا نذكر ما في الخِطاب من حكمة السياسة والقيادة، وإنما ننظر إلى ما تبين عنه كل كلمة من كلماته: من أن قوة الإيمان والصبر، والاعتقاد الجازم، كل هذا يرد الكثرة، والاعتبار ليس للقوة والكثرة، إنما الأمر لله والاعتقاد والصبر، وأخذ الأهبة، والله يحب الصابرين وينصرهم، لأنه اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بقوة إيمانهم بأن لهم الجنة.