للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معسكر المسلمين، فبصر بخباء عظيم حوله ثمانية أفراس ورماح وعدة ظاهرة، فانتهى إليه، فإذا بخباء عكرمة، فسلّم عليه أبو بكر وجزاه خيراً (١).

وحملت الروم في (اليرموك) حملة أزالوا المسلمين عن مواقعهم، فقال عكرمة: قاتلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل موطن وأفرّ منكم اليوم! ثم نادى: "مَن يبايعني على الموت"؟ فبايعه عمه الحارث بن هشام وضِرار بن الأزور في أربعمئة من وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قدام فسطاط خالد بن الوليد حتى أُثبتوا جميعاً جراحاً، فمنهم مَن برأ ومنهم مَن قُتِل (٢). وكان عكرمة أعظم الناس بلاء، فكان يركب الأسنة حتى جرحت صدره، فقيل له: "اتقِ الله وارفق بنفسك فقال: "كنت أجاهد بنفسي عن اللات والعزّى فأبذلها لها، أفأستبقيها الآن عن الله ورسوله؟! ... لا والله أبداً"، فلم يزد إلا إقداماً (٣).

وقد استشهد في (اليرموك) الحارث بن هشام وعكرمة وسُهيل بن عمرو، فأُتوا بماء وهم صرعى، فتدافعوه: كلما دُفع إلى رجل منهم قال: اسق فلاناً، حتى ماتوا ولم يشربوه. فقد طلب عكرمة الماء، فنظر إلى سهيل ينظر إليه، فقال: "ادفعوه إليه"، فنظر سهيل إلى الحارث ينظر إليه، فقال: "ادفعوه إليه"، فلم يصل إليه حتى ماتوا جميعاً (٤). وقد وُجد بعكرمة بضع وسبعون ما بين طعنة وضربة ورمية (٥).


(١) أسد الغابة ٤/ ٦.
(٢) ابن الأثير ٢/ ١٥٨، وأسد الغابة ٤/ ٦.
(٣) أسد الغابة ٤/ ٦.
(٤) الاستيعاب ٣/ ١٠٨٤.
(٥) المصدر السابق ٣/ ١٠٨٥.

<<  <   >  >>