للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفرس، فقاتل قتالاً عظيماً. وكان يكبّر ويحمل فلا يقف بين يديه أحد، وكان يقصف الناس قصفاً منكراً، فعجب الناس منه وهم لا يعرفونه (١). ورآه سعد وهو فوق القصر ينظر إلى القتال، فقال: "لولا أن أبا محجن محبوس لقلت: هذا أبو محجن وهذه (البلقاء) تحته".

فلما تراجع الناس عن القتال، عاد إلى القصر، وأدخل رجليه في القيد، فأعلمت سلمى سعداً خبر أبي محجن، فأطلقه وقال: "اذهب ... لا أحدُّك أبداً"، فتاب أبو محجن حينئذ وقال: "كنت آنف أن أتركها - يعني الخمرة - من أجل الحد (٢)، فوالله لا أشربها أبداً" (٣).

ج) وفي (القادسية) أيضاً، تكبَّد المسلمون خسائر فادحة بالأرواح من جراء هجوم الفيلة عليهم، فأرسل سعد إلى المسلمين من الفرس (٤)، وسألهم عن الفيلة: "هل لها مَقَاتِل"؟ فقالوا: "نعم، المشافر والعيون، لا يُنتفع بها بعدها". وأرسل سعد إلى القعقاع بن عمرو التميمي وأخيه عاصم بن عمرو التميمي وقال لهما: "اكفياني الفيل الأبيض"، وكانت الفيلة كلها آلفة له، وكان بإزائهما. وأخذ القعقاع وعاصم رمحين أصمّين (٥) ليّنين، ودبا في خيل ورَجِل فقالا: "اكتنفوه لتحيّروه"، ثم وضعا رمحيهما معاً في عيني الفيل الأبيض، فنفض الفيل رأسه وطرح سائسه ودلىّ مشفره، فنفحه القعقاع فرمى به


(١) لم يكن مجهول المكان طبعاً، فالناس يعرفونه حق المعرفة، ولكنهم كانوا يعلمون أنه في السجن، لذلك أشبه عليهم أمره، أو كان متلثماً يخفي وجهه.
(٢) أسد الغابة ٥/ ٢٩١.
(٣) الإصابة ٧/ ١٧٠، والاستيعاب ٤/ ١٧٤٨.
(٤) من أمثال سلمان الفارسي رضي الله عنه.
(٥) الأصم: الصلب المصمَت.

<<  <   >  >>