للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العوم الخيل، ثم اقتحموا دجلة واقتحم بقية الستمئة على أثرهم. فلما رآهم الأعاجم وما صنعوا، أعدوا للخيل التي تقدمت للعبور مثلها، فاقتحموا عليهم دجلة وأعاموها إليهم، فلقوا عاصماً في الخيل الأمامية المتقدمة وقد دنا من الفراض، فقال عاصم: "الرماح ... الرماح ... ! أشرعوها وتوخوا العيون، فالتقوا، فاطعنوا"، فقتل المسلمون عامة الفرس، ونجا مَن نجا منهم عوراناً (١).

ولما رأى سعد عاصماً على الفراض قد منعها، أذن للناس في الاقتحام وقال: "قولوا نستعين بالله ونتوكل عليه ... حسبنا الله ونعم الوكيل. والله لينصرن الله وليّه وليظهرنّ دينه وليهزمنّ عدوّه، ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم". وتلاحق الناس فى دجلة، وإنهم يتحدثون كما يتحدثون في البر ... ثم خرجوا منه إلى البر ولم يفقدوا شيئاً، إلا أن مالك بن عامر العنبري سقط منه قدح، فقال: "والله إني لعلى حالة ما كان الله ليسلبني قدحي من بين العسكرين"، فلما عبروا ألقته الريح إلى الشاطئ، فتناوله بعض الناس وعرفه صاحبه (٢).

وكان أول مَن دخل (المدائن) عاصمة كسرى كتيبة الأهوال بقيادة عاصم بن عمرو التميمي، ثم الكتيبة الخرساء بقيادة أخيه القعقاع بن عمرو التميمي، فأخذوا في سككها لا يلقون فيها أحداً يخشونه. ونزل سعد القصر الأبيض ثلاثاً، واتخذ إيوان كسرى مصلى دون أن يغيِّر ما فيها من تماثيل، وقرأ في صلاة الفتح حين صلى في إيوان كسرى: {كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ٢٥ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ٢٦ وَنَعْمَةٍ كَانُوا


(١) الطبري ٣/ ١٢٠.
(٢) الطبري ٣/ ١٢٢، وابن الأثير ٢/ ١٩٨.

<<  <   >  >>