الاستغناء عنه قائداً ومدبِّراً ومشيراً، فانصاع صلاح الدين لإلحاح عمه، وكان يقول عن خروجه هذا:"كنت أكره الناس للخروج في هذه الدفعة، وما خرجت مع عمّي باختياري".
وحين علم الإفرنج بوصول أسد الدين إلى مصر عن اتفاق بينه وبين أهلها، رحلوا راجعين إلى (القدس) خائبين.
وأراد أسد الدين أن يضع حدّاً نهائياً لأطماع الإفرنج في مصر، ولمحاولات (شاور) استدعائهم سرّاً وعلانية لإسناده، لذلك قضى أسد الدين على شاور، وتولى الوزارة مكانه؛ ولكنَّه توفي في الثاني والعشرين من جمادى الآخرى سنة أربعٍ وستين وخمسمئة (٢٣ آذار - مارس ١١٦٩م) بعد أن مكث يدبّر الأمور خلال هذه المدّة القصيرة، فتولَّى مقاليد الوزارة صلاح الدين (١).
تولى صلاح الدين الوزارة وعمره اثنتان وثلاثون سنة، استغل كل لحظة من لحظاتها للارتشاف من مناهل العلم وممارسة التجارب العملية. أما أساتذته في العلم فسيرد ذكرها وشيكاً، وأمَّا أساتذته في السياسة والحرب فهم: نور الدين الشهيد، وأبوه نجم الدين، وعمّه أسد الدين شيركوه الذي لم يأخذ حقه كاملاً من المؤرّخين العرب والمسلمين، ولكن المؤرّخين الأجانب عرفوا له قدره، فقال في موته (ستفن سن) ما ترجمته: "إنَّ الخدمات التي أداها عمل شيركوه للإسلام والمسلمين لَجديرة بأن يكتبها التاريخ على صفحاته بأحرف من الذهب، لأنَّه بعد مضيّ عشرين سنة على توليته أمرَ مصر عادت مدينة القدس إلى أيدي المسلمين، كما عاد كثير من البلاد التي كانت بيد الإفرنج،