للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسير، فلم يسع البقية غير الموافقة، ثم انفضَّ الجميع.

لقد جمع قطز قادته قبل المسير، وشرح لهم خطورة الموقف، وذكَّرهم بما وقع من التتار في البلاد التي غزَوها من شنيع السفك والتخريب، وما ينتظر مصر وأهلها من مصير مروّع إذا نجح التتار في اجتياحها، وحثَّهم -وهو يبكي- على بذل أرواحهم في سبيل إنقاذ الإسلام والمسلمين من هذا الخطر الداهم، فضجَّ القادة بالبكاء، ووعدوا ألاَّ يدَّخروا وسعاً ولا تضحية في سبيل مقاتلة التتار وإنقاذ مصر والإسلام من شرِّهم (١).

ولكن لماذا خاف قادة قطز التتار؟ كان هولاكو في خلق لا يحصيهم إلاَّ الله، ولم يكن من حين قدومهم على بلاد المسلمين سنة ستة عشرة وستمئة الهجرية (١٢١٩م) يلقاهم عسكر إلاَّ فَلّوه (٢)، وكانوا يقتلون الرجال، ويسبون النساء الأسرى وينهبون الأموال (٣)، لذلك آثر قادة قطز بعد إكمال حشد قواتهم حماية مصر لا غير، لكثرة عدد التتار واستيلائهم على معظم بلاد المسلمين، لأنَّ التتار لم يقصدوا إقليماً إلاَّ فتحوه ولا عسكراً إلاَّ هزموه، ولم يبقَ خارج حكمهم إلاَّ مصر والحجاز واليمن. وقد هرب جماعة من المغاربة الذين كانوا بمصر إلى الغرب، وهرب جماعة من الناس إلى اليمن والحجاز، والباقون بقوا في وَجَلٍ عظيم وخوف


(١) مواقف حاسمة ١٦٦.
(٢) النجوم الزاهرة ٧/ ٧٤.
(٣) المصدر السابق ٧/ ٧٧.

<<  <   >  >>