العثمانية غير ثماني عشرة سفينة كانت على شيء من القوة، أما سائر السفن فكانت لا تعدو أن تكون قوارب صغيرة مكشوفة مملوءة بالجند، ولم تكن مسلَّحة بالمدافع، ذلك أن العثمانيين كانوا حديثي العهد بالبحرية وأساليب قتالها، وكان الطليان في ذلك الحين سادة البحر بلا منازع. وكانت السفن النصرانية فوق ذلك محكمة البناء متفوِّقة بالحجم والقوة كاملة العدة والعتاد، وقد لبس رجالها الدروع والزرود، وأخذوا يطلقون قنابلهم ونيرانهم الفتَّاكة على القوارب العثمانية الصغيرة، وهي تحاول بمجاذيفها الخشبية مغالبة الريح الشديدة التي كانت تعوقها عن التقدُّم.
وسكنت الريح فجأة، فتوقَّفت السفن الخمس عن المسير وانكمشت أشرعتها، وكانت قد قاربت مدخل (القرن الذهبي).
وانتهز (بالطه أوغلي) هذه الفرصة، فانقضَّ بسفنه على السفن الخمس محاولاً إحراقها بالنار، ولكن سرعان ما يصبّ عليها الماء فيطفئها.
وعاود (بالطه أوغلي) الهجوم مرة بعد أخرى، حتى أصيبت إحدى عينيه. واحتدم القتال، واستقتل العثمانيون، وتساقط منهم عدد كبير من الشهداء.
وكان الفاتح على شاطئ (غلطه) يراقب المعركة بعين لا تطرف وهو لا يكاد يستقر فوق ظهر جواده، فلمَّا رأى ما حاق برجاله من قتل وسفنه من تدمير، لم يتمالك نفسه فاندفع نحو البحر حتى غاص جواده إلى صدره. وكانت السفن على مرمى حجر منه، وكان يلوّح لبالطه أوغلي بأعلى صوته:"يا قبطان ... ! يا قبطان ... ! ".