للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القسطنطينية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتفتحنَّ القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش) "، ثم هنَّأهم بالنصر ونهاهم عن القتل والنهب والسلب، وأمرهم أن يكونوا أهلاً للشرف الذي حباهم به الرسول صلى الله عليه وسلم.

وترجَّل الفاتح عن فرسه، واستقبل الكعبة وسجد على الأرض، وحثا التراب على رأسه شكراً لله على ما منحه من توفيق ونصر. ثم استأنف سيره إلى كنيسة آياصوفيا، ولما اقترب منها، وصلت إلى سمعه أصوات خافتة حزينة هي أصوات الصلوات والدعوات التي كانت تجري فيها. وقصد الفاتح إلى أحد أبواب الكنيسة، وكان باباً منيعاً حصيناً، فوجده مغلقاً. وعلم الراهب بمقدم الفاتح، فأمر بفتح ذلك الباب على مصراعيه، وانتاب الناس خوف عظيم وفزع لحضور السلطان، وتوجَّسوا شرّاً وقطعوا ما كانوا فيه من الصلاة والدعاء، وساد بينهم لغط وضجيج؛ فما كان من الفاتح إلا أن طلب من الراهب أن تستمر الصلاة كما كانت من قبل، وأن يبقى كل إنسان في مكانه دون أن يجزع، فتمّت الصلاة في هدوء وأمان.

وسجد الفاتح مرة أخرى سجدة الشكر، وأخذ يحمد الله ويشكره، ثم طلب إلى الراهب أن يأمر المصلين بالعودة إلى منازلهم آمنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وأن يعود كل إنسان إلى ما كان يمارسه من قبل من عمل وحرفة. ونزل هذا الكلام برداً وسلاماً على هؤلاء الناس الذين كانوا يتوقَّعون أن ينزل بهم أشدّ أنواع البطش والتنكيل، وشاعت في نفوسهم الراحة والطمأنينة، وبعث الفاتح إلى مختلف أرجاء المدينة نفراً من رجاله لتأمين الناس وليعودوا

<<  <   >  >>