للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نقل الإجماع العملي في منع خروج النساء سافرات الوجوه جمع غفير من علماء الإسلام (١)

الذين أمدَّهم اللَّه - عز وجل - بالعلم النافع


(١) من مميزات هذا القرن، من جهة المسائل الفقهية: ظهور الجدل والتأليف في مسألة كشف وجه المرأة، وهذا بعكس القرون السابقة، حيث انحصر البحث في بطون الكتب: الفقهية، والحديثية، والتفاسير، لم تكن جدلاً في المنتديات، ولا دعوة على المنابر، ولم تؤلف فيها مؤلفات مستقلة، كلا، بل كان العالم يعرض رأيه فيها، ثم يمضي لغيرها، دون إغراق في مناقشة المخالف، أو تعمق وفحص، وكان العلماء فيها على قولين:
- الأول: إيجاب التغطية على جميع النساء، بما فيهن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - رضوان اللَّه عليهن.
- الثاني: استحباب التغطية على جميع النساء، حاشا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - رضوان اللَّه عليهن، فعليهن التغطية.
وأهم ما يجب ملاحظته في مذهب المستحبين: أن قولهم تضمن أمرين مهمين هما:
- الأول: استحبابهم التغطية؛ وذلك يعني أفضليتها على الكشف، فحكم الاستحباب فوق حكم المباح. في المباح: يستوي الفعل والترك، لكن في الاستحباب: يفضل فعل المستحب.
- الثاني: اشتراطهم لجواز الكشف شرطاً، هو: أمن الفتنة، والفتنة هي: حسن المرأة، وصغر سنها (أن تكون شابة)، وكثرة الفساق، فمتى وجدت إحداها فالواجب التغطية.
وبهذا يعلم أن تجويزهم الكشف مقيد غير مطلق، مقيد بشرط أمن الفتنة، ومقيد بأفضلية التغطية، وهذا ما لم يلحظه الداعون للكشف اليوم، وهم يستندون في دعوتهم إلى هؤلاء العلماء .. !!.
وقد التزم المستحبون ذلك الشرط، وذلك التفضيل، فانعكس على مواقفهم:
- فأما الشرط، فالتزامهم به، أدى بهم لموافقة الموجبين في بعض الأحوال، فأوجبوا التغطية حال الفتنة، فنتج من ذلك: حصول الإجماع على التغطية حال الفتنة، فالموجبون أوجبوها في كل حال، والمستحبون أوجبوها حال الفتنة، فصح إجماعهم على التغطية حال الفتنة؛ لأنهم جميعا متفقون على هذا الحكم في هذا الحال .. هذا بالأصل، وذاك بالشرط.

- وأما التفضيل، فالتزامهم به منعهم من السعي في: نشر مذهبهم، والدعوة إليه، وحمل النساء عليه؛ ولأجله لم يكتبوا مؤلفات مستقلة تنصر القول بالكشف، فما كان لهم استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير!! .. ترتب على ذلك أثر مهم هو: إجماع عملي، تمثل في منع خروج النساء سافرات، فلم يكن لاختلافهم العلمي النظري أثر في واقع الحال .. وهذا ما لم يلحظه الداعون للكشف اليوم، وهم يستندون في دعوتهم إلى هؤلاء العلماء .. !!.
فمخلص أقوالهم:
- ثلاث إجماعات: إجماع على التغطية في حق الأزواج .. وإجماع على التغطية حال الفتنة .. وإجماع عملي في منع خروج النساء سافرات.
- وإيجاب على الجميع، بما فيهن الأزواج، في كل حال.
- واستحباب على الجميع دون الأزواج، مقيد بشرط أمن الفتنة، ومقيد بالأفضلية.
هذه المذاهب في هذه المسألة .. وهكذا مرت بينهم في تلك القرون: خلاف نظري، يمحوه اتفاق عملي، فانعكس على أحوال المسلمات، فلم تكن النساء يخرجن سافرات الوجوه، كاشفات الخدود، طيلة ثلاثة عشر قرناً، عمر الخلافة الإسلامية، حكى ذلك وأثبته جمع من العلماء [انظر: الدلالة المحكمة لآيات الحجاب على وجوب غطاء وجه المرأة للدكتور لطف الله، ص ٥ - ٧.

<<  <   >  >>