للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ضعف الشنقيطي - رحمه الله - الحديث، ثم قال: «مَعَ أَنَّهُ مَرْدُودٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى عُمُومِ الْحِجَابِ، وَمَعَ أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ ثُبُوتُهُ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْحِجَابِ» (١).

وقال الشيخ صالح بن إبراهيم البليهي - رحمه الله -: «لو قُدِّر أن حديث عائشة صحيح، فهو محمول على أنه كان قبل الأمر بالحجاب، وبناءً على هذا يكون منسوخاً، لا يجوز العمل به» (٢).

وقال الشيخ محمد علي الصابوني في روائع البيان: «ويحتمل أنه كان قبل آيات الحجاب، ثم نسخ بها» (٣).

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -: «ثم على تقدير الصحة -أي صحة حديث عائشة - رحمه الله - -يحمل على ما قبل الحجاب؛ لأن نصوص الحجاب ناقلة عن الأصل فتقدم عليه» (٤) (٥).


(١) أضواء البيان، ٦/ ٥٩٧.
(٢) يا فتاة الإسلام، ص ٢٥٧.
(٣) روائع البيان، ٢/ ١٥٧.
(٤) رسالة الحجاب، ص ٣٠.
(٥) واعلم أنَّ هناك جملة من الأحاديث والآثار يفهم منها كشف الوجه واليدين أو اليدين فقط، وعادة العلماء الموجبين للحجاب أن يجيبوا عنها بقولهم: «هذا كان قبل الأمر بالحجاب»، ومن أمثلة ذلك:
١ - حديث عائشة هذا الذي نحن بصدده.
٢ - عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -،زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَتْ: «دَخَلَتْ عَلَيَّ خُوَيْلَةُ بِنْتُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الأَوْقَصِ السُّلَمِيَّةُ، وَكَانَتْ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ - رضي الله عنه - قَالَتْ: فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَذَاذَةَ هَيْئَتِهَا، فَقَالَ لِي: يَا عَائِشَةُ، مَا أَبَذَّ هَيْئَةَ خُوَيْلَةَ؟» قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْرَأَةٌ لهاَ زَوْجَ لَهَا يَصُومُ النَّهَارَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ، فَهِيَ كَمَنْ لاَ زَوْجَ لَهَا، فَتَرَكَتْ نَفْسَهَا، وَأَضَاعَتْهَا» الحديث أخرجه أحمد، ٤٣/ ٣٣٥، برقم ٢٦٣٠٩، وحسنه محققو المسند، كما جوّد إسناده الألباني في إرواء الغليل، ٧/ ٧٨، وانظر: الفتح الرباني، ١٧/ ٣٠٤.

٣ - عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «آخَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا ... » الحديث، رواه البخاري، كتاب الصوم، بَابُ مَنْ أَقْسَمَ عَلَى أَخِيهِ لِيُفْطِرَ فِي التَّطَوُّعِ وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ قَضَاءً إِذَا كَانَ أَوْفَقَ لَهُ، برقم ١٩٦٨، والمؤاخاة كانت في أوائل الهجرة، وانتهت بعد آية التوريث، وآية التوريث نزلت قبل الحجاب.
٤ - ما رواه البيهقي في قصة توبة أبي لبابة، وقال: «حديث صحيح»، وفيه قول أم سلمة - رضي الله عنها -: «أفلا أبشره يا رسول اللَّه بذلك؟ قال: «بلى إن شئتِ»، قالت: فقمتُ على باب حجرتي، فقلت - وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب - يا أبا لبابة أبشر فقد تاب اللَّه عليك».
٥ - وعن أَنَسٍ، - رضي الله عنه -، قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلاً رَامِيًا شَدِيدَ النَّزْعِ، كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ، أَوْ ثَلاَثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ بِجَعْبَةٍ مِنَ النَّبْلِ فَيَقُولُ انْثُرْهَا لأَبِي طَلْحَةَ، قَالَ وَيُشْرِفُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ، فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لاَ تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمَّ سُلَيْمٍ، وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا، تُنْقُزَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ»، رواه البخاري في المغازي، باب إذا همت طائفتان منكم أن تفشلا واللَّه وليهما، برقم ٤٠٦٤، وفي الجهاد، باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال، وباب المجن ومن يتترس بترس صاحبه، وفي فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، باب مناقب أبي طلحة، ومسلم، في الجهاد، باب غزوة النساء مع الرجال، برقم ١٨١١.
مجوب عليه بحَجَفَةْ: أي ساتر له، قاطع بينه وبين الناس، مترس عليه بترس، تنقزان: أي تثبان، والمقصود تحملان القرب، وتقفزان بها وثباً.

<<  <   >  >>