بك رتبها الهيثمي -رحمه الله- على أبواب الفقه، فأصبح الرجوع إليها ميسوراً واستخراج حديث أو أحاديث من باب من أبوابه لم يعد بالأمر الذي يشبه المستحيل كما لو كان يريد أن يستخرجه من أحد معاجيم الطبراني مثلاً وبخاصة إذا كان لا يعرف اسم الصحابي، ولا اسم شيخ الطبراني.
ولسهولة الرجوع إليه ولغناه بالأحاديث، أصبح اعتماد كثير من الخطباء والكتاب، والوعاظ على ما جاء فيه من أحاديث، فيجعلونها مواضيع خطبهم، أو يستشهدون بها لتأييد ما يذهبون إليه من آراء، أو العمود الفقري لوعظهم وإرشادهم، دون النظر إلى صحتها أو حسنها أو ضعفها.
ولم تعد خافية على أحد تلك الآثار السيئة التي تتركها الأحاديث الضعيفة في التفكير والاعوجاج الذي يتصف به السلوك، لأن السلوك ما هو إلا تجسيد لما يحمل الإنسان من أفكار، ولما يتمثل المجتمع من مبادئ إذ العقيدة المتبناة هي الدافع إلى الفعل، وهي التي يصطبغ السلوك بلونها، وتغيير العقائد مناط تغيير ما بالناس من وقائع يعيشونها. قال تعالى: و {إنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. فالالتواءات في تفكيرنا، في مشاعرنا، في سلوكنا، تتسع مساحتها كلما ابتعدنا عن كتاب الله تعالى، وعن صحيح سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وكنت أثناء عملي في "موارد الظمآن" وخلال عودتي إلى "مجمع الزوائد" أحاول أن أتعرف على حجم العمل المطلوب، والمصادر اللازمة، والمخطوطات الأصلية وكيفية الحصول عليها، وبدأت فعلاً أسأل على استحياء عن ذلك كله، وكان همي أن أحصل على نسخة دار الكتب المصرية. وفي مطلع العام ١٩٩١ الميلادي عين الأستاذ أحمد عليان تبلو