، لأن الانصار كانوا بالمدينة قبل المهاجرين، فلما جاءهم المهاجرون أحباب رسول الله صلّى الله عليه وسلم آثروهم على انفسهم بمنازلهم، وشاطروهم اموالهم بطيب من انفسهم، فشهد لهم بالفلاح، وفرض على من جاء من بعدهم مولاتهم والاستغفار لهم فقال:«والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم» ، وأمرهم بالتعوذ من بغضهم وعداوتهم، فهؤلاء الذين قاموا بدين رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعده، وهم الذين اختاروا أبا بكر، والقرآن مملوء بمدحهم والثناء عليهم، وأنت تحفظه؛ فارجع الى ما في سورة بعد سورة من ذلك وتدبره، فذكر جميعه يطول ولا يحتمله/ هذا الموضع.
فهم لما بايعوا ابا بكر سكنت نفوسهم، وباتوا وكأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يمت ولم يفقد من بينهم، فهذا الذي قصدوا بالبدار، وهم كانوا اعلم بما يباشرونه ويقولونه، وقد علموا انهم قد وتروا الامم كلها في طاعة رسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ فقد خلفهم ولا امير عليهم، فخافوا ان يبيتوا وقد فقدوا نبيهم وليس عليهم امير فينشر امرهم، فلشدة اهتمام هؤلاء بحراسة الاسلام بادروا الى من يعقدون له، وإنما ذكرت لك هذا لتعرف الحال فإن من لا يعلم ومن همه الطعن في الاسلام يدعي عليهم انهم إنما فعلوا ذلك حبا للدنيا ولسرورهم بموت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولاغتباطهم بالراحة.