وكم له رضي الله عنه مثل هذا الكتاب الى معاوية، يمدح فيه الخلفاء قبله، ويذم معاوية، وكم له من الرسل اليه في هذا المعنى، وما رضى من إنكار المنكر حتى سافر الى اهله بعد المكاتبة فشافههم به. فسار الى معاوية ونزل بصفين، وأقام نحو الشهرين لا يحارب/ ولا يقاتل، ويقيم الحجة على معاوية، ويبين براءته من دم عثمان ومن خذلانه، وانه قد بذل لعثمان النصرة فأباها عثمان وكره القتال، وأراد ان ينصرف القوم عنه راضين بغير قتال، وانه ما ظن ولا ظن عثمان انه يقتل، وان القوم اغتالوه وتسلقوا عليه وقتلوه ليلا. ويستشهد على ذلك المهاجرين والانصار، ثم يحلف بعد هذا ويقول: والله ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله ولا رضيت ولا هويت، ويلعن قتلة عثمان ويقول: اللهم العن قتلة عثمان في الليل والنهار والبر والبحر، ويرفع يديه بذلك حتى يبين ما تحت منكبيه.
وقد فعل مثل ذلك بالبصرة، فقال معاوية نحن نصدقه، ولكن في عسكره شناة عثمان وغزاته يسلمهم الينا. الى ان قال اهل الشام تخلّي معاوية على الولاية وهو يسمع لك ويطيع، فقال: لا افعل، وسألوه في ذلك فما أجاب. فأتاه وفد اهل الشام وفيهم رجل يقال له حوشب ذو ظليم له قدر ونباهة، فقام فقال: ألا ترى يا علي ان الله قد قسم لك قسما حسنا فخذه بشكر، إن لك قدما في الاسلام وسابقة وقرابة من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وصهرا وتجربة وسنا، فإن تتلف بيننا غدا فإنه لبوار العرب وضيعة الحرمات، ولكن انصرف راشدا وخلّ بيننا وبين شامنا واحقن دماءنا ودماء اصحابك.
فقال له رضى الله عنه: إنك لم تأل عن النصيحة بجهدك، ولو علمت ان